چکیده :
تبعًا لمنظومة ديكارت المعرفيّة يعتبر الإنسان كائنًا متأصّلًا، وحقيقته هي النفس أو الروح والتفكير.
والله في هذا التحليل هو الفكر المحض الذي ينطوي في فلسفته على شأنٍ معرفيّ، وهو مجرّد ضامن للخلق وبقاء القوانين الميكانيكيّة للعالم، وبعبارة أخرى: هو - أي الله - ذات هذه القوانين وذات هذه الطبيعة، أمّا الإنسان في هذا النظام الميكانيكيّ، فهو آلة تحتوي على مجرّد روح بالإضافة إلى المصنوعات، ثمّ إنّه في عرض سائر الأشياء مجرّد مصنوع ومخلوق لله، بل إنّ الله قد خلقه ثمّ تركه وشأنه (كما هو حال القوانين الثابتة في العالم)، فالإنسان قانون من هذا العالم الطبيعيّ وهو مفتقر إلى الغاية.
يوضح هذا البحث أنّ الإنسان في نظام ديكارت الفلسفيّ هو إنسان منسوخ ومستأصَل من هويّته.
والسؤال الرئيس الذي يركِّز عليه الباحثان في هذا المضمار هو على وجه الخصوص، بحث نسبة الإنسان إلى الله في فكر ديكارت وفلسفته، ونقدها استنادًا إلى رؤية الفيلسوف الإسلامي العلّامة محمّد حسين الطباطبائيّ.
«المحرِّر»
--------------------------
يحظى بحث نسبة الإنسان إلى الله في فكر ديكارت والعلّامة الطباطبائيّ بأهمّيّة خاصّة.
ويُعد رينيه ديكارت ـ بوصفه أبو الفلسفة الجديدة وتبعًا لذلك الثقافة الغربيّة المعاصرة ـ مفكّرًا قام من خلال تأسيس الفكر الفلسفيّ على العقل المتأصِّل وموضوعيّة (الفاعل المعرفيّ)[1] بتغيير مسار التفكير الفلسفيّ، كما عمد ـ من خلال التحليل الميكانيكيّ للعالم والإنسان بواسطة العقل الرياضيّ ـ إلى تأويل مفهوم وتعريف الإنسان المعاصر له أيضًا، وشكّل ذلك أساسًا للتفكير الفلسفيّ بعده، وبسط هذه الرؤية الجديدة على العالم والإنسان وصولًا إلى مرحلتنا المعاصرة.
إنّ معرفة اتجاه ديكارت إلى الوجود والإنسان الذي يعدّ جزءًا من معرفة الوجود، يمثّل واحدًا من الاحتياجات الملحّة لثقافتنا.
ومن ناحية أخرى فإنّ العلّامة الطباطبائيّ ـ بوصفه فيلسوفًا إسلاميًّا معاصرًا ومطّلعًا على الفكر الفلسفيّ والكلاميّ للغرب في مرحلتنا الجديدة، وامتلاكه لأسلوب مستقلّ في النظام الفلسفيّ والأنثروبولوجيّ ـ يُعدّ عيّنة مناسبة لاتخاذ نظريّاته وآرائه في باب موضوع البحث أساسًا وأرضيّة لنقد فكر ديكارت.
إنّ حقيقة الإنسان ـ طبقًا لرؤية العلّامة الطباطبائيّ ـ ليست مجرّد تفكير، بل هي روح ونفس إلهيّة، وهي كيان مجرّد يعمل في ذاته على تدبير البدن وإدارته.
إنّ هذا الإنسان المجبول على الفطرة الإلهيّة عالم بنفسه ومدرك للعالم المحيط به، ومؤمن بالله سبحانه وتعالى.
إنّه يدرك معلوليّته والعالم بعقله السليم وكذلك فقره الذاتيّ وتبعيّته البحتة إلى الخالق بناء على فطرته.
وعلى هذا الأساس لا يمكن تعريف الإنسان بوصفه كائنًا أصيلًا، بل هو معلول لا يستطيع الوصول إلى غايته النهائيّة المتمثّلة بالقرب من الله إلّا من طريق مسار طبيعيّ ألا وهو قانون الفطرة.
يُعبّر العلّامة الطباطبائيّ عن هذا الإنسان بالإنسان الروحانيّ أو الفطريّ، وأنّه إذا تمكّن من بلوغ الكمالات العليا، فسوف يصل إلى مقام الإنسان الكامل، وسوف يغدو فانيًا في الحقّ، ويصل إلى الرؤية التوحيديّة المتمثّلة بالفناء الذاتيّ والصفات الفعليّة.
إنّ هذا الإنسان معنويّ وهادف وخالد وساع إلى الله.
إنّه عبد الله، وعلاقته بالله علاقة عبد بمعبوده، وليس ادعاء الاستقلال والأصالة وعدم التبعيّة.
إنّ أهمّيّة البحث المقارن في المرحلة الراهنة لا تكمن في إثبات تفوّق فيلسوف على فيلسوف آخر، وإنّما تقتضيها ضرورة خلاص الإنسان المعاصر من الأزمات التي يعاني منها.
إنّ نوع الرؤية والتحليل للنسبة بين الله والخالق تعدّ مقولة مصيريّة وموجّهة لحياة الإنسان، والإدراك الواقعيّ لحقيقة الإنسان.
ومعنى الحياة وتعامل الإنسان مع ذاته والعالم والحقيقة، وفي نهاية المطاف وصوله إلى التكامل والسعادة والشقاء رهن في بيان هذه النسبة.
وبالإضافة إلى هذا السؤال الرئيس ثمّة أسئلة فرعيّة أيضًا، وهي الأسئلة الآتية:
1 ـ هل ينسجم بيان ديكارت لنسبة الإنسان إلى الله، ويتناغم مع ماهيّة الإنسان وحقيقته ؟
2 ـ هل القول والتمسّك بالتحليل الديكارتيّ لنسبة الإنسان إلى الله، يضمن سعادة الإنسان؟
3 ـ ما هي نقاط ضعف وعقبات رؤية ديكارت في هذا البيان، وكيف يمكن لرأي العلّامة الطباطبائيّ ـ بوصفه فيلسوفًا إسلاميًّا ـ أن يكون ناجعًا في هذا الشأن؟
نسبة الإنسان إلى الله في فلسفة ديكارت
2 / 1 ـ أساس معرفة الوجود في فلسفة ديكارت
إنّ ديكارت ـ الذي هو فيلسوف ومفكّر عقلانيّ ـ قد اتخذ في مواجهة انتشار ظاهرة الشكّ والاتجاه التجريبيّ في عصره، وفوضى عناد المفكّرين للعقل والدين اتجاهًا جديدًا في أساس التفكير الفلسفيّ.
وقد عمد ديكارت من خلال تأسيسه لفكره الفلسفيّ على (الأنا المفكر)[2]، وإثبات حقيقة المعرفة، إلى تغيير أفق الفلسفة السائدة ورؤيتها، كما أنه من خلال بيانه لرؤيته الجوهريّة ومنظومته الفلسفية، ونعني بذلك مقولته الشهيرة: (أنا أفكر، إذن أنا موجود)[3]، عمد بزعمه إلى تأسيس أوّل قضيّة يقينيّة لا تقبل الشكّ في إطار التأسيس لمنظومته العلميّة والمعرفيّة.
لقد انطلق ديكارت من الشكّ، وبلغ من البداهة، ونعني بها وضوح وتميّز صفة الشكّ، إلى الشهود العقليّ[4] المتمثّل بـ (أنا أفكر)، ومن هناك وصل إلى إثبات وجوده وكينونته.
يقول ديكارت في تأمّلاته: (أنا أفكر؛ إذن أنا موجود.
ولكن حتى متى؟ إلى الوقت الذي أفكّر، إذ متى ما توقّف تفكيري، ربما في ذلك الوقت يتوقّف وجودي وكياني)[5].
لقد وصل ديكارت من خاصيّة (التفكير)[6] إلى بداهة (الشكّ)[7]، ومن هذا المنطلق إلى إثبات جوهر نفس (الفاعل المعرفيّ) بوصفه أمرًا يقينيًّا وحقيقيًّا لا يعتريه الشكّ، وجعله أساسًا ومبنىً لتأمّلاته اللاحقة والحقائق الأخرى، وبذلك توصّل إلى إثبات جوهرين آخرين، وهما: الله والجسم.
وقد انطلقت البداية اليقينيّة في التفكير الفلسفيّ لديكارت من الـ (أنا) المدرِكة والمفكّرة، وهذه الرؤية التي نعني بها إثبات حقيقة الوجود على أساس بداهة ووضوح الـ (أنا)، قد مثّلت بداية غير مسبوقة في التفكير الفلسفيّ؛ بمعنى أنّ جعل (وجود الإنسان) هو المبنى لإثبات نظام الوجود والأشياء، كان من إبداع رينيه ديكارت وأسلوبه الخاص، حيث غيّر بهذه الرؤية مسار التفكير الفلسفيّ من الحقائق العينيّة إلى التصوّرات الذهنيّة.
2 / 2 ـ الذاتانيّة
إن ذهن الإنسان في رؤية ديكارت هو معيار وجوده والعالم؛ بمعنى أنه الفكرة الوحيدة التي تشكل جميع الأشياء والعالم الخارجيّ وحتّى الخالق (موضوعًا) لها.
يقول ديكارت: (حيث إنّ كلّ مفهوم من فعل الذهن، فإنّ طبيعته بحيث إنّه لا يقتضي ـ من تلقائه ـ أيّ واقعيّة صوريّة، إلّا تلك التي يقتبسها من الذهن أو التفكير)[8].
ومن خلال هذا التعبير يمكن ـ من هذه الناحية ـ تسمية فلسفته (أصالة الذهن)[9] مقابل أصالة العين؛ وذلك لأنّ الذهن هو وحده الذي يكتسب (عينيّة) في فلسفة ديكارت، إنّ هذا البيان الجوهريّ قد شكّل أساسًا لـ (محوريّة الإنسان) الجديد والفذّ، بمعنى تأصيل الذات والاستقلال المحض للإنسان على أساس أصالة العقل القائم على الرياضيّات والميكانيك.
في هذا التحليل الوجوديّ لا يوجد في العالم سوى (فاعل معرفيّ) واحد فقط، وجميع ما سواه يعدّ موضوعًا له، بمعنى أنّها تمثّلاته وتصوّراته، (وكأنّ الإنسان هو الذي يخلق ذاته والعالم، ويمنحه المعنى والاستمرار، بمعنى أنّه يتمّ تأويل كلّ شيء بالإنسان.
وبنحو من الأنحاء يتحوّل الاتجاه (الواقعيّ)[10] قبل ديكارت في معرفة الوجود إلى الاتجاه (المثاليّ)[11]، وفي هذا التحليل الجديد تكتسب الذهنيّة عينيّة، ويولد إنسان جديد، وتبعًا لذلك يُولد إله جديد وعالم جديد، إنّ الـ (أنا المفكّر) الديكارتيّ، أنا متعالٍ واستعلائيّ[12]، بمعنى أنّه خارج سلسلة العلل والمعلولات، وفي مرتبته يحصل على معرفة مستقلّة بذاته دون واسطة، وهو خارج الزمان بالكامل)[13].
إنّ ديكارت إنّما يستطيع الاستناد إلى تصوّراته والتصديق واليقين بأفكاره فقط، (وعلى هذا الأساس فإنّه يحتاج إلى أصل يؤسّس للعالم الخارجيّ، غاية ما هناك أنّ هذا الأمر يجب أن يتمّ على أساس ومبنى كيفيّة ظهور التصوّرات على الشخص [الذات])[14].
وبعبارة أخرى: إنّ حقيقة الشيء رهن ببداهتها، ومعيار البداهة هو ذهن الإنسان.
(بمعنى أنّ التصوّر الواضح والممتاز، إنّما يكون رهنًا بالتبعيّة لكيفيّة تأثيره على الذهن، أو كيف يمكن أن يتمّ استشعاره)[15].
وفي هذا المعنى يتأنسن العالم بالكامل ويصطبغ بلون الذات، ويغدو العالم ذلك العالم الذي يعمل الذهن ـ المتأثّر بالقوانين الطبيعيّة والميكانيكيّة ـ على تبويبه وبلورته والتخطيط له؛ وتبعًا لذلك يكون هذا العالم مفتقرًا إلى الغاية، أو إذا كانت له من غاية، فإنّه لا يمكن الوصول إلى هذه الغاية أو التعرّف عليها بالعقل الديكارتيّ.
(طبقًا لرؤية ديكارت، فإنّه كلما فكّر شخص، يكون لتفكيره موضوع، وإنّ هذا الموضوع شيء يدور في ذهن المفكِّر)[16].
في البيان الوجوديّ والأنطولوجيّ لديكارت يكون الذهن ذاتًا كما يكون موضوعًا؛ بمعنى أن متعلَّق التصوّرات بدوره من الأمور الذهنيّة أيضًا، وبعبارة أدقّ: (يجب تعريف مضمون الحالات الذهنيّة أو التصوّرات على أساس هذا المبنى، وهو أنّه كيف يتمّ إدراكها من قِبَل الشخص المدرِك.
ويمكن لنا تسمية ذلك رواية استبطانيّة للحالات الذهنيّة)[17].
بمعنى أنّ التصوّرات تتحوّل إلى أمور ذهنيّة بماهيّة شخصيّة، وتتحوّل إلى أشياء لا يمكن تشخيصها إلّا من قبلي (أو أيّ ذات أخرى)؛ بمعنى: (أنّ التصوّرات ليست موضوعات للإدراك، وإنّما هي كيفيّات إدراكنا)[18].
وهذا هو معنى الذاتانيّة الديكارتيّة، فالأشياء ليست أمورًا ندركها، بل هي أنماط لإدراكنا، وهنا يتعذّر الفصل بين الخيال والشعور والوهم والحقيقة؛ لأنّ نمط ظهورها على الذهن واحد؛ إذ إنّها بأجمعها نحو من الإدراك وليست كاشفة عن العين.
إن نتيجة النظرة الذاتيّة هي المحوريّة التامّة للإنسان بالنسبة إلى العالم والأشياء؛ لأنّ كلّ شيء يكتسب معناه من الإنسان، يذهب ديكارت إلى الاعتقاد قائلًا: (نحن لا نستطيع الحياة والتجربة والتفكير والتقويم والعمل في أيّ عالم آخر، إلّا إذا كان هذا العالم يكتسب مفهومه واعتباره الوجوديّ في ذاتي أنا ويأخذه من عندي)[19].
في محوريّة الإنسان من السنخ الديكارتيّ ـ حيث يعمل الإنسان رسميًّا على إضفاء التعالي لمنزلته ومقامه ـ يتمّ السعي إلى جعل كلّ شيء إنسانيًّا وذهنيًّا، وإيصال الإنسان إلى أعلى المراتب، بمعنى ذلك المستوى من الإدراك الذي (يرى فيه الإنسان أنّ العالم من آثاره ومن صنع عمله)[20]، بمعنى أنّ الكوجيتو الديكارتيّ يبيّن الدور الجديد للإنسان في العالم، حيث لا يُسمح لأيّ مفهوم أو مقولة بمعارضته، بما في ذلك مفهوم الإله وحقيقته.
2 / 3 ـ أصل العلّيّة
إنّ مبنى أصل العلّيّة في النظام الفلسفيّ لديكارت هو الحدوث، بمعنى (أنّ ملاك احتياج العلّة إلى المعلول هو الحدوث)[21]؛ وذلك لأنّ ديكارت يرى أنّ بداهة وحقيقة كلّ شيء تكمن في وضوحه وتمايز تصوّره في ذاته، ومن ناحية أخرى يعتقد أنّ إثبات وجوده معلول لله بوصفه العلّة الفاعليّة والموجِدة والموجود المطلق، ويقول: (ليس هناك أمر حادث، من دون علّة)[22].
طبقًا للأصل القائل: (ليس هناك أمر حادث، من دون علّة) ـ الذي هو من الأصول الفلسفيّة لديكارت ـ تقوم جميع براهين وجود الله عنده على برهان العلّيّة؛ لأنّه يرى تصوّر الله في عالم نفسه معلولًا لعلّة وراء ذاته، والإشكال الذي يرِد هنا على برهان العلّيّة عند ديكارت هو أنّ أصل العلّيّة يجب إثباته قبل النفس؛ لأنّ النفس (الذهن) عند ديكارت حادثة ومعلولة لله.
وبناء على هذا المبنى يتعرّض حتى إثبات وجود الله إلى الإشكال أيضًا؛ لأنّ مبنى إثباته هو النفس والذهن الذي هو حادث بدوره، وهذا يتنافى مع ادّعاء إثبات النفس والـ (أنا) ـ من قِبل ديكارت ـ بوصفه الأصل اليقينيّ الأوّل، (فالنفس في النظام الفلسفيّ لديكارت هي المبدأ، والله هو المقصد والغاية)[23].
إنّ القول بتقدّم أصل العلّيّة على (وجود النفس) في تفكير ديكارت يخالف ذاتانيّته، ومن هنا تكون جميع البراهين التي تقوم في إثبات جوهرها على أصل العلّيّة مخدوشة؛ لأنّ المبنى في نظامه الفلسفيّ هو الـ (أنا المفكّرة)، وإنّ الأساس الأنطولوجيّ له هو إثبات الـ (أنا) المتعالية والخارجة عن سلسلة العلل والمعلولات، حيث يخالف ويناقض الإيمان المتجدّد بأصل العلّيّة في إثبات وجود النفس.
2 / 4 ـ طريقة ظهور مفهوم الإله وتحقّقه
إنّ كلّ رصيد العلم اليقينيّ لديكارت يكمن في تصوّراته الفطريّة.
(يذهب ديكارت إلى تقسيم المفاهيم إلى ثلاثة أقسام، وهي: المفاهيم الخارجيّة، والمفاهيم الجعليّة، والمفاهيم الفطريّة، ويرى أنّ القسم الأوّل والثاني من هذه المفاهيم فاقدان للاعتبار اليقينيّ (الوضوح والتمايز).
ويقول إنّ المفاهيم الفطريّة هي وحدها اليقينيّة التي لا تقبل الشكّ وتكون ذاتيّة للنفس (العقل)، ويذهب إلى الاعتقاد بأنّ لهذه المفاهيم الفطريّة السهم الأكبر من الوجود بوصفها من الجواهر اليقينيّة)[24].
إنّ موقف ديكارت في إثبات مفهوم ووجود الله موقف مسبق.
بمعنى: (أنّه يثبت وجود الله من طريق حضور تصوّره في وعي وإدراك الفاعل المعرفيّ)[25]، وبعبارة أخرى: إنّ طريقة ديكارت هنا تشبه طريقة أنسلم في البرهان الوجوديّ.
يذهب ديكارت في التأمّل الثالث من كتاب تأمّلات إلى الاعتقاد بأن الله لا يمكن تصوّره بوصفه غير موجود.
وادعى القول: (إنّ الله في المفهوم الكلّيّ لتفكيرنا، كامن في الله)[26].
إنّ الله في هذا التحليل، من تصوّرات الفاعل المعرفيّ وتمثّلاته الذاتانيّة، وإنّ ضرورة وجود الله تنشأ من بداهته بالنسبة لي أنا المفكّر.
في حين أنّ إمكان الوصول إلى إثبات الوجود الحقيقيّ للشيء من مجرّد مفهومه موضع شكّ وتردّد.
رغم تصريح ديكارت بقوله: (إنّ الذهن يدرك بوضوح وتميّز أنّ الوجود الضروريّ والأبديّ في الذات، تصوّر يحمله عن موجود كامل، ويصل إلى نتيجة مفادها أنّ تصوّر وجود المطلق الكامل هو عين الوجود)[27].
إنّ الله ـ في الرؤية الأنطولوجيّة لديكارت ـ ليس وجودًا عينيًّا واقعيًّا ومؤثرًا وخلّاقًا، بل له منشأ ذهنيّ، ولكنّه يعتقد أنّ الله الذي خلقنا، قد ختم وجودنا وأمضاه، ومن هنا فإنّ ماهيّته الكماليّة تكمن في فطرتنا.
إنّ المستعمل من مفهوم الفطرة عند ديكارت هو مجرّد الذهن، وليس نظريّة الفطرة الإسلاميّة؛ ولذلك لو لم يمتلك الذهن أو العقل تصوّرًا واضحًا ومتميّزًا، لما كان لإثبات وجود الله أهمّيّة وضرورة بالنسبة إلى رينيه ديكارت.
(إنّ جميع الاستدلالات الثلاثة التي يقيمها ديكارت على إثبات وجود الله ـ وهي: البرهان الوجوديّ، وبرهان العلّيّة، والبرهان من طريق ختم الله على نفسنا ـ تبدأ من الـ (أنا)؛ بمعنى أنّ هذه الـ (أنا المفكِّرة) هي التي تشخّص أّن مفهوم الكمال المطلق ومعلولّيّة مفهوم الإله لعلّة خارجة عنّا، وإمضاء وختم الله لمعلوليّتنا)[28].
يرى ديكارت أنّ للنفس (الذهن) ظهورًا داخليًّا وذاتيًّا؛ حيث يقول: (لو كان للنفس (الإنسان) ظهور بالنسبة إلى شيء، فإنّ لها ظهورًا بالنسبة إلى ذلك الموجود في الذهن، بمعنى أنّ نفسي قد أوجدت ذلك الموجود في الذهن، وليس مصداق الموجود في الذهن)[29].
على الرغم من سعي ديكارت في العبارة أعلاه إلى التعريف بمفهوم الله في نفسه بوصفه معلولًا لعلّة أسمى منه، ولكن حيث إنّ منشأ ظهور هذا التصوّر ـ مثل سائر التصوّرات الأخرى ـ هو ذات الذهن، فإنّ إثبات متعلَّقه في الخارج، ليس مقدورًا بسهولة؛ لأنّ المفهوم الذي يكون خالقه هو الذهن، لا توجد أيّ ضرورة لأن يكون متطابقًا مع الخارج، كما أنّ معيار الحقيقة عند ديكارت يكمن في داخل العقل، وليست هناك حاجة إلى أن يكون متطابقًا مع الخارج.
وعلى هذا فإنّ إله ديكارت موجود نفسانيّ، ويحتوي على مجرّد ناحية إبستمولوجيّة، وحيث إنّ طريقة ظهور المفاهيم بالنسبة إلى ذهن ديكارت واحد، تكون النتيجة في فلسفته: (أنّ مفهوم الله غير واضح ولا متميّز، فهو غير واضح؛ لأنّنا لا نستطيع إدراك مصداقه بوضوح، كما أنّه غير متميّز؛ لأنّه يختلط مع بعض المفاهيم الأخرى، من قبيل الطبيعة بالنسبة إلى الذين اعتبروا أنّ مفهوم الإله والطبيعة واحد، كما هو حال ديكارت نفسه)[30].
إنّ البديع والمهمّ بشأن رؤية ديكارت حول الله وجميع فلسفته، (ليس إصراره على القطع واليقين، بل تأكيده على الذهنيّة، وعلى أفكار الفرد وتجربته قبل كلّ شيء)[31]، إنّ قوّة الفلسفة واقتدارها ـ من وجهة نظر ديكارت ـ لا تكمن في النصوص المقدّسة والعقلاء، وإنّما يجب العثور عليها في ذهن الفيلسوف.
ومن هنا فإنّ فلسفة ديكارت تنطوي على تناقض؛ إذ يرى العينيّة في الذهن.
(يذهب ديكارت إلى الاعتقاد بأنّ كلّ واحد منا يثبت لنفسه حقيقة ويعتقد بها)[32].
إنّ المفهوم الفلسفيّ للإله تابع ـ من وجهة نظر ديكارت ـ لتفكير وإرادة الإنسان، لا أن يكون التفكير تجلّيًا عن العالم الإلهيّ، (بناء على موضوعيّة الفاعل المعرفيّ في تفكير ديكارت، يكون الله من التأصّل الذاتيّ بحيث يكون من السهل بعده أن يقع موردًا للإنكار)[33].
والنتيجة هي أنّه على الرغم من تصريح ديكارت بقوله: (إنّ مفهوم الله هو مثل مفهومي أنا، فمنذ اللحظة التي وُجدتُ فيها، وُجِدَ الله معي)[34]، بمعنى أنّه فطريّ، ولكن هذا الادعاء لا ينسجم مع (ذاتانيّته) إطلاقًا.
ومن ناحية أخرى لا يمكن إثبات المفاهيم الفطريّة (الذاتيّة) بالنسبة إلى العقل، وعليه فإنّ منشأ ظهور مفهوم ووجود الله عند ديكارت ذهنيّ ومثاليّ بالكامل؛ بمعنى أنّ لله حكم ما بعد الطبيعة، حيث لا يجدي نفعًا إلّا بمقدار تنظيم عقل ديكارت وتصوّراته.
2 / 5 ـ منزلة ودور الله في الميتافيزيق الديكارتيّ
إنّ لله في فلسفة ديكارت ـ كما سبق أن ذكرنا ـ مجرّد شأن أبستيمولوجيّ ومعرفيّ، وليس له شأن وجوديّ وأنطولوجيّ؛ وذلك لأنّه على الرغم من أنّ مبنى علمه اليقينيّ هو التصوّرات الفطريّة، ولكن حيث إنّه يرى أنّ وجوده معلول لله والخارج، فإنّه يستند في إثبات أحقّيّة وصحّة نظريّاته إلى عدم احتيال الإله؛ لأنّه كمال مطلق.
وفي الحقيقة فإنّه مضطرّ في إطار تأسيس واعتبار نظامه الفلسفيّ والعلميّ إلى الإيمان بالله؛ إذ إنّه من دون اللجوء إلى وجود الله سوف يتزعزع اعتبار نظامه العلميّ، ويبقى معلّقًا.
وعليه فإنّ الله هو صانع التصوّرات الواضحة والمتميّزة لديكارت، وخالق القوانين الميكانيكيّة للطبيعة وضمانة لاعتبارها واستمرارها.
وبالتالي فإنّه يقلّل شأن الله وينزله إلى مستوى الطبيعة.
يقول ديكارت: (إنّ مرادي من الطبيعة في اللحظة الراهنة ـ بشكل عامّ ـ هو الله ذاته أو النظم الذي أودعه في مخلوقاته)[35].
وفي الحقيقة فإنّ الله ـ من وجهة نظر ديكارت ـ مهندس ميكانيكيّ، حيث عمل على إيجاد قوانين العالم والطبيعة ومنحها الاستمراريّة كما يشاء رينيه ديكارت.
وعليه فإنّ اليقين ما بعد الطبيعيّ يعني الاستناد إلى الفيض والرحمة الإلهيّة، التي هي ـ من الناحية العمليّة ـ أساس لليقين النسبيّ في حدود إمكانات المعرفة عند الإنسان.
2 / 6 ـ نسبة الإنسان إلى الله
إنّ العالم من وجهة نظر ديكارت عالم متناسق وميكانيكيّ يحتوي على مجرّد الامتداد والحركة.
وإنّ هذا العالم إمّا أن يفتقر إلى الغاية، وإمّا أن لا يكون بمقدور الإنسان اكتشافها إذا كان مشتملًا على غاية.
إنّ الوجود في هذا النظام يفتقر إلى المراتب التشكيكيّة.
وفلسفة ديكارت ـ بوجه من الوجوه ـ فلسفة ماهويّة وليست وجوديّة، فالإنسان في هذا النظام الميكانيكيّ مجرّد آله مشتملة على روح، ولا تختلف عن جسمه كثيرًا.
فإذا كان الله هو الطبيعة أو قوانينها العامّة، وكان الإنسان كائنًا وموجودًا طبيعيًّا، فإنّ الفاصلة بين الألوهيّة والإنسان تنهار، بمعنى أنّ الله ليس حقيقة وراء الإنسان أبدًا.
وعلى الرغم من أنّ الله في أبستيمولوجيّته خالق ومطلق وخالد وسرمديّ، ولكن عندما يكون مرادفًا للطبيعة المادّيّة، فإنّه يتجرّد من التنزّه؛ وذلك لأنّه ـ بزعم ديكارت ـ تحت سيطرة قدرة الإنسان، وضمن دائرة تصرّفه.
ولهذا السبب فإنّ (معرفة الحياة، شعبة من الحكمة الطبيعيّة، وتابعة لقواعد علم الحركات)[36].
وهذا يعني أنّ الأنطولوجيا تابعة لعلم الميكانيك.
من وجهة نظر هذا الفيلسوف: (كما أنّ الفلسفة الأولى تؤسّس لأسلوب علوم جديدة، فإنّ الأسلوب بدوره يجعل أصول هذه الفلسفة متقنة)[37].
إنّ الطبيعة ـ طبقًا لوجهة نظر ديكارت ـ عبارة عن ميكانيكيّة معقّدة، وأنّ الحيوانات وحتى الإنسان جزء منها.
يقول ديكارت: (سوف أسعى إلى تقديم تقرير كامل عن مجمل الآلة الجسمانيّة، بحيث لا يبقى بعد ذلك مجال للفكر القائل بأنّ حركاتنا اللاإراديّة ناشئة عن نفسنا.
كما أنّه لا يوجد لدينا دليل على أن نتصوّر أنّ للساعة نفسًا تخبر عن الوقت)[38].
وعلى هذا الأساس فإنّ الإنسان مجرّد ظاهرة طبيعيّة وميكانيكيّة ضمن سائر الأشياء.
إذا كان الله هو الطبيعة أو قوانينها العامّة، فإنّ الإنسان بدوره واحد من ظواهر وقوانين هذا النظام الميكانيكيّ الذي أوجده الله وخلقه، وليس له ارتباط مع الله وراء سائر الأشياء والموجودات.
(إنّ مقترح ديكارت للحفاظ على جذوة حبّنا لله متّقدة في وجودنا، بمعنى إقامة الارتباط معه، هو أن نعتبره بوصفه روحًا وفكرًا محضًا.
وفي هذه الحالة يمكن لنا أن نقيم نوعًا من العلاقة والارتباط الوثيق بينه وبين أنفسنا)[39].
وحيث إنّ الله في فلسفته مجرّد مبدأ للحركات الكمّيّة والميكانيكيّة (قوانين العالم)، وليس مجرّد الطبائع وذوات الأشياء والموجودات، فإنّ الفكر بطبيعة الحال يُدرس ويُلاحظ على نحو ميكانيكيّ ورياضيّ، وإنّ الروح أو النفس الإنسانيّة، في هذه المعادلة تُفهم بوصفها شيئًا، وتنفصل عن الناحية الأنطولوجيّة[40] تمامًا.
على الرغم من أنّ ديكارت يعتبر الله علّته الموجدة ابتداءً وبقاءً، وهو يعمل على استمراريّة وجوده، بيد أنّ وجود الله في فلسفته ـ طبقًا لمبناه الذاتانيّ ـ دوريّ؛ وذلك لأنّ الله من جهة ضامن لاعتبار علمه اليقينيّ وعلّة وجوده، ومن ناحية أخرى فإنّ الله نفسه واحد من التمثّلات والتصوّرات الفطريّة لديكارت؛ بمعنى أنّه معلول له؛ ولذلك فإنّ ما بعد الطبيعة عند ديكارت ـ كما سبق أن أشرنا ـ ضروريّ لمجرّد التأسيس لعلمه اليقينيّ؛ وذلك على مستوى الشأن المعرفيّ الأبستمولوجيّ دون الأنطولوجيّ، وعليه فإنّ الله مجرّد أصل فلسفيّ لضمان معقوليّة النظام العلميّ لديكارت، وليس إلهًا حقيقيًّا وعينيًّا.
طبقًا لمباني فلسفة ديكارت ليست هناك نسبة مفهوميّة بين الإنسان وبين الله، سوى أنّ الإنسان واحد من قوانين العالم العامّة والمخلوقات الطبيعيّة، وأنّ الله صانعه وخالقه، وأنّه مجرّد مسؤول عن الحفاظ عليه واستمرار حياته وبقائه.
في هذه الرؤية ليس هناك كبير فرق بين الإنسان وبين سائر الظواهر، وليس هناك فرق بين نسبة الإنسان إلى الله ونسبة العالم إلى الله؛ بمعنى أنّ جميع الكمالات الروحيّة والمعنويّة الخاصّة بالإنسان، وبنحو من الأنحاء فطرته الإلهيّة وبُعده الروحانيّ قد تمّ تجاهله بالكامل، ويتمّ تأويلها بالطبيعة الجسمانيّة.
3 ـ نقد نسبة الإنسان إلى الله في فلسفة ديكارت في ضوء رؤية العلّامة محمد حسين الطباطبائيّ
3 / 1 ـ أصول التفكير الفلسفيّ
يُعدّ العلّامة الطباطبائيّ فيلسوفًا واقعيًّا ينتهج (محوريّة الحقّ)؛ بمعنى أنّه يرى أنّ بداية التفكير الفلسفيّ تنطلق من التحقّق العينيّ للحقّ وتبعيّة علمنا المطلقة له، ويقول: (فالخارج حقّ بالأصالة والقول أو الاعتقاد حقّ يتبع مطابقته، وإذا كان الخارج هو فعله تعالى والخارج هو مبدأ القول والاعتقاد؛ فالحقّ منه تعالى يبتدئ وإليه يعود)[41].
يقول العلامة ـ استنادًا إلى قوله تعالى: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ[42] ـ هناك فرق بين عبارة (من ربّك) وعبارة (مع ربّك)، فإنّ من ربّك تعني أنّ الحقّ هو الله دون سواه، ومن هنا فإنّ مبناه الفلسفيّ يختلف عن المبنى الفلسفيّ لرينيه ديكارت إلى حدّ كبير، فإنّ ديكارت يجعل من (التفكير) أساسًا لفلسفته، في حين أنّ هذا التفكير من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ إنْ هو إلّا أمر نفسانيّ ومن عوارض وصفات ذواتنا؛ ولذلك نجده يقول: (نحن لا نستطيع أن نتصوّر (تفكيرنا) دون أن نتصوّر (ذواتنا).
في حين أنّ (الذات) والـ (أنا) يمكن تصوّرها دون أن نتصوّر التفكير، مع العلم بأنّ هذا الوصف ليس من طريق أنّ تصوّرنا على هذه الشاكلة، بل لأنّ (متصوّرنا) على هذه الشاكلة.
بمعنى: أن وجود الإدراك والإرادة، ليس عين وجود النفس، بيد أنّها لا توجد خارج وجودنا أيضًا)[43].
يرى العلّامة الطباطبائيّ أنّ الفلسفة إنّما تتحدّث عن مجرّد العلوم والأشياء الحقيقيّة؛ ولذلك يجب أن يكون المبنى فيها واقعيًّا مطلقًا وعينيًّا، وليس أمرًا نفسانيًّا.
فهو يرى: (أنّ مطلق واقعيّة الوجود، لا يقبل الارتفاع والانعدام أبدًا، بمعنى أنّ حقيقة الوجود ضروريّة الوجود)[44].
ويذهب العلّامة الطباطبائيّ إلى الاعتقاد بأّن ثبوت الواقعيّة للإنسان أمر فطريّ، ويقول في ذلك: (نحن واقعيّون بحسب الفطرة والغريزة)[45].
وعلى هذا الأساس فإنّه يرى أنّ المبنى الفكريّ لرينيه ديكارت فاقد للاعتبار الفلسفيّ، وغير مناسب للبدء بتأسيس نظام فكريّ.
3 / 2 ـ نفي ذاتانيّة الإنسان
إن الإنسان وكلّ ما سوى الله يُعدّ في النظام الفكريّ للعلّامة الطباطبائيّ معلولًا لله، والله تعالى هو العلّة التامّة للوجود، كما أنّ النسبة بين المعلول والعلّة في نظامه الفكريّ ذات اتجاه واحد؛ بمعنى أنّ الموجود هو العلّة، وأنّ المعلول هو عين الفقر وليس فقيرًا.
ومن هنا فإنّه يذهب ـ مثل صدر المتألّهين الشيرازيّ ـ إلى الاعتقاد بالإمكان الفقريّ، ويقول في هذا الشأن: (ذكر الحكماء أنّ بين الفعل وفاعله ـ ويعنون به المعلول وعلّته الفاعلة ـ سنخيّة وجوديّة ورابطة ذاتيّة، يصير بها وجود الفعل كأنّه مرتبة نازلة من وجود فاعله، ووجود الفاعل كأنّه مرتبة عالية من وجود فعله)[46].
بمعنى أنّ بين الفعل والفاعل يقوم حمل حقيقة رقيقة، لا يكون فيها للمعلول تحقّق وراء علّته، بل هو نازلة وجوده وعين الارتباط به، وإنّ هذا التحليل يسلب عن الإنسان كلّ نوع من أنواع الاستقلال في الذات والصفات أو الأفعال.
يرى العلّامة الطباطبائيّ أنّ المعلوليّة والافتقار المطلق للإنسان أمر فطريّ وتكوينيّ، ويقول في ذلك: (إنّ الافتقار هو أوّل شيء يشاهده الإنسان، ويراه في ذاته وفي كلّ شيء يرتبط به وبقواه وأفعاله، وكذلك في جميع العالم المحيط به، ويحكم في هذا الإدراك الأوّل بوجود ذات ترفع افتقاره واحتياجه)[47].
وعلى هذا فإنّ الإنسان في الخطوة الأولى من إدراكه يواجه افتقاره واحتياجه الذاتيّ، وهذا مخالف تمامًا لما عليه الأمر في الذاتانيّة الديكارتيّة.
يذهب العلّامة الطباطبائيّ في خصوص نفي ذاتانيّة وموضوعانيّة الإنسان إلى الاعتقاد قائلًا: (إنّ العلم بخاصّيّة الكاشفيّة يأخذ بأيدينا دائمًا؛ بمعنى أنّنا من طريق العلم بذواتنا نحصل على واقعيّة الخارج وليس العلم)[48].
إنّ هذه العبارة تنفي (موضوعيّة) الإنسان بشكل تامّ، كما تنفي (ذاتيّة) العالم والأشياء أيضًا.
وقال العلّامة الطباطبائيّ في موضع آخر إنّ الإنسان مغلوب ومقهور أمام قوانين الطبيعة، وهي قوانين لا يملك الإنسان بإزائها أيّ قدرة أو حريّة في العمل والتصرّف.
يقول العلّامة الطباطبائيّ في هذا الخصوص: ([إنّ الإنسان] بالقياس إلى العلل والأسباب الكونيّة التي أوجدت الطبيعة الإنسانيّة، فلا حرّيّة له قبالها [القوانين الطبيعيّة]، فإنّها تملكه وتحيط به من جميع الجهات، وتقلبه ظهرًا لبطن)[49].
وبهذه العبارة الأخيرة تنهار الذاتانيّة الديكارتيّة بالكامل: (إنّ الحقّ صفة ذلك الأمر المعلوم بعلمنا، وليس صفة لعلمنا)[50].
إنّ العبارة أعلاه تفصح بوضوح عن انفكاك واستقلال العالم والأشياء الخارجيّة عن ذهن الإنسان، بعنى أنّ الخارج ليس تابعًا لتصوّراتنا وليست (موضوعًا) لنا، بل الأشياء الخارجيّة تمتلك في حدّ ذاتها حقائق ومراتب من الحقيقة هي في استقلالها ليست قائمة على أذهاننا أبدًا، بل هي معلولة للحقّ سبحانه وتعالى مثلنا.
وفي هذه الرؤية تتهاوى ذاتيّة الإنسان الديكارتيّة كما تنهار موضوعيّة العالم بالنسبة له بالكامل.
إنّ العلّامة الطباطبائيّ يعمل على بيان واقعيّة أشياء العالم على أساس أصل تشكيك الوجود في نظام أصالة الوجود التي يقول بها.
وهو النظام الذي تكون فيه جميع الممكنات ـ بالقياس إلى الله سبحانه وتعالى ـ في عرض بعضها، وذلك من حيث المعلوليّة والمخلوقيّة ـ بطبيعة الحال ـ وليس من ناحية العلاقة التدبيريّة؛ لأنّها بأجمعها معلولة وهي عين الربط.
وفي ذلك يقول العلّامة الطباطبائيّ: (إنّ الوجود إمّا تامّ الحقيقة واجب الهويّة، وإمّا مفتقر الذات إليه في الجوهريّة، وعلى أيّ القسمين، يثبت ويتبيّن أن وجود واجب الوجود، غنيّ الهويّة عمّا سواه)[51].
إنّ الموجودات ـ من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ ـ مراتب من فيض الحقّ تعالى وفعله.
وليس للإنسان أيّ دخل في وجوده وعدمه والأشياء الخارجيّة، ويرى أنّ المالكيّة لله مطلقًا لا غير: (إنّ مالكيّة الله للموجودات، هي ذلك النحو من قيام وتبعيّة الجوهر وذاته إلى الله سبحانه وتعالى)[52].
وقال في خصوص كثرة الماهيّات وطريقة وجودها: (إنّ الله سبحانه وتعالى يمحو ويخفي جميع التكثّرات بأحديّة ذاته، ثمّ من خلال الحفاظ على وحدته ينزّلها إلى مقام الأسماء، وبهذا التنزّل تظهر تكثّرات مفهوميّة، لا تكثّرات مصداقيّة، ثمّ يتنزّل بظهوره في مظاهر الموجودات الإمكانيّة وإظهارها إلى مراتبها، وفي هذه الحالة تنبعث التكثّرات المصداقيّة)[53].
إنّ توحيد الحقّ تعالى ووحدانيّته ـ في المنظومة الفكريّة للعلّامة الطباطبائيّ ـ لا تبقي متّسعًا لاستقلال الإنسان وادّعاء مالكيّته، ومقام الإنسان ـ من وجهة نظره ـ هو مجرّد إظهار مملوكيّته ليس إلّا.
ومن هنا فإنّ دعوى ذاتانيّة الإنسان ومحوريّة ذهنه في إضفاء المعنى والمفهوم على ذاته وعلى الله والعالم ليست سوى توهّم وخيال.
3 / 3 ـ مبنى قانون العلّيّة
إنّ مبنى قانون العلية عند العلّامة الطباطبائيّ هو علم النفس بذاتها؛ وذلك لأنّ النفس في ذاتها كائن مجرّد وتامّ ولها علم حضوريّ بذاتها وحالاتها، وهي تعمّم هذا النموذج من الارتباط العلّيّ على سائر الموارد المشابهة في خارج ذاتها؛ بمعنى قيام عوارض وصفات النفس بجوهر النفس.
وقال العلّامة الطباطبائيّ في هذا الشأن: (إنّ الجواهر المجرّدة بسبب تماميّتها وفعليّتها حاضرة في ذاتها ولأجل ذاتها؛ ولذلك فهي عالمة بذاتها بالعلم الحضوريّ)[54].
ولا يحصر العلّامة الطباطبائيّ العلم الحضوريّ بعلم النفس بذاتها وأحوالها، وإنّما يقول: (حيث إنّ وجود المعلول بالنسبة إلى العلّة قائم بوجود العلّة، فإذا كانت العلّة والمعلول كلاهما مجرّد؛ فحيث يكون المعلول بجميع وجوده حاضرًا عند العلة، إذن يكون المعلول بذات وجوده حاضرًا عند علّته)[55].
طبقًا للعبارة أعلاه يكون العلم الحقيقيّ الذي لا يقبل الخطأ عند العلّامة الطباطبائيّ هو العلم الحضوريّ، وإن نشأة ظهوره الأولى تكمن في علم النفس بذاتها وأحوالها؛ حيث تنشأ علاقة العلّيّة والمعلوليّة من هناك؛ وعليه فإنّ مبنى قانون العلّيّة عنده هو العلم الحضوريّ واليقينيّ.
ويعتبر العلّامة الطباطبائيّ أوّل فيلسوف إسلاميّ يعمل على تحليل مبنى جذور قانون العلّيّة، وأقامها على أساس عدم قابليّتها للخطأ.
أمّا أصل العلّيّة عند ديكارت ـ من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ ـ فإنّه لا يستند إلى أساس محكم ومعتبر؛ وذلك لأنّ ديكارت يرى أنّ التصوّرات الفطريّة هي الأساس في العلم اليقينيّ، وهي من وجهة نظر جميع الفلاسفة الإسلاميّين ـ ومن بينهم العلّامة الطباطبائيّ ـ غير قابلة للإثبات، بمعنى أنّ النفس ليس لها تصوّر وعلم ذاتيّ.
بل إنّ الموجود في نظريّة الفطرة هو الاستعداد وقوّة الإدراك؛ ومن ناحية أخرى فإنّ القبول بأصل العلّيّة لا ينسجم مع المبنى الأوّليّ لفلسفته؛ وذلك لأنّ ديكارت يرى أنّ التصوّر الواضح الأوّل والمتمايز هو النفس والـ (أنا أفكر)، ومن ناحية أخرى يعتبر نفسه معلولًا لعلّة مطلقة وهي الله.
ولكن من غير المعلوم كيف اكتسب أصل العلّيّة وأساسه.
ومن هنا فإنّ أصل العليّة عند ديكارت ـ طبقًا لرؤية العلّامة الطباطبائيّ ـ هو العلم الحصوليّ، وليس العلم الحضوريّ، وحيث إنّ العلم الحصوليّ قابل للشكّ والخطأ، وحيث إنّ قانون العلّيّة لدى ديكارت يفتقر إلى الاعتبار التامّ ـ فعلى هذا الأساس فإنّ جميع النتائج التي حصل عليها ديكارت بناء على هذا الأصل لا اعتبار لها، ومن بينها براهين إثبات وجود الله، حيث تقوم بأجمعها على هذا الأصل.
والنقطة الأخرى والأهمّ هي أنّ ملاك افتقار واحتياج المعلول إلى العلّة عند العلّامة الطباطبائيّ هو الإمكان وليس الحدوث؛ وذلك لأنّ الحدوث متفرّع عن الإمكان، وهو بالإضافة إلى ذلك الإمكان الفقريّ.
3 / 4 ـ العلم بالله وفطرة الإنسان
إنّ الله عند العلّامة الطباطبائيّ هو عين الحقّ والوجود الخارجيّ، ولا يمكن لذهن الإنسان أن يتّسع لتكوين مفهوم ذهنيّ عنه.
وقال في ذلك: (إنّ ذاته ـ سبحانه ـ هي هويّة الحقيقة الخارجيّة التي يستند إليها قوام وظهور كلّ هويّة في خارجها)[56].
طبقًا للرؤية أعلاه ليس لمفهوم الله منشأ داخل النفس أو الذهن.
بمعنى أنّ ذهننا ليس هو الذي صنعه أو أنّه قد احتواه بشكل فطريّ، بل إنّ الله هو عين الحقّ والتحقّق الخارجيّ، وإنّ علمنا تابع للعين الخارجيّة.
وقال العلّامة الطباطبائيّ في خصوص علمنا المفهوميّ بالله: (إنّ انطباق مفهوم على مصداق هو في ذاته غير محدود، متأخر نوعًا ما عن مرتبة ذات ذلك المصداق.
إنّ هذا النوع من التأخّر هو تأخّر التعيّن عن الإطلاق)[57]، بمعنى أنّه يرى أنّ شأن التوحيد الإطلاقيّ يفوق التعيّن الوصفيّ، ويذهب إلى الاعتقاد قائلًا: (إنّ التوحيد الإطلاقيّ أسمى من أن يُوصف)[58].
وعلى هذا الأساس لدينا نوعان من الإدراك عن الحقيقة المطلقة، وهما: الإدراك الأنفسيّ، والإدراك الآفاقيّ.
والإدراك الأنفسيّ هو العلم الحضوريّ الذي يتمّ بيانه بواسطة نظريّة الفطرة، وفي إطار علاقة العلّية والمعلوليّة والحضور الوجوديّ للمعلول لدى علّيّته والذي هو نازلة من وجوده، ويتمّ بيانه في منظومة أصالة الوجود ومراتبها التشكيكيّة، وإنّ الإدراك الآفاقيّ قائم على الإدراك الأنفسيّ، ووجود الأشياء والعالم فيه وجود معلوليّ وتشأّنيّ.
أي أنّه وجود دلاليّ، وقال العلّامة الطباطبائيّ في هذا الشأن: (إنّ الإنسان الفطريّ، يدرك بفطرته الإلهيّة أنّ الكون الواسع والمترامي الأبعاد من أصغر أجزائه الذرّيّة إلى أكبر مجرّاته، وما عليه هذا الكون من النظام العجيب والقوانين الدقيقة، يعود إلى الله الواحد الفرد الصمد، وإنّ ظهوره وآثاره والخصائص التي تظهر تبعًا لوجوده، والنشاط الذي لا يحصى في هذا الكون، كلّه مخلوق ومصنوع لله)[59].
في البيان أعلاه يمتزج الإدراك الأنفسيّ والآفاقيّ عن الحقّ تعالى.
وقال العلّامة الطباطبائيّ في موضع آخر: إنّ آراء الإنسان تنتهي إلى ما تقتضيه فطرته.
إنّ الفطرة تبحث عن علل الأشياء، وتحثّ الإنسان على المضيّ من أجل الوصول إلى شيء يحقّق كماله الحقيقيّ)[60].
يرى العلّامة الطباطبائيّ أنّ التجرّد الذاتيّ للنفس وروح الإنسان، هو عامل ميله وتوجّهه إلى ما وراء الطبيعة ومعرفتها، ويقول في ذلك: (إنّ نفس الإنسان بسبب تجرّدها، تسانخ العوامل ما فوق الطبيعيّة)[61].
وباختصار فإنّ العلّامة الطباطبائيّ يرى أنّ علم الإنسان بالله تعالى هو من سنخ العلم الحضوريّ، وليس من سنخ العلم الحصوليّ، ويصرّ على (أنّ حواسنا إنّما تحصل من الأمور الخارجيّة على مجرّد أعراض وأوصاف الجواهر فقط، وليس الجواهر؛ إذ لا نمتلك حاسّة تدرك الجوهر)[62].
وطبقًا لنظريّة الفطرة يذهب العلّامة الطباطبائيّ إلى الاعتقاد قائلًا: (هناك في صقع وجود الإنسان غريزة باسم غريزة الرؤية الواقعيّة)[63].
إنّ نزوع الإنسان نحو معرفة الحقيقة من الأمور الذاتيّة والفطريّة لدى الإنسان، بمعنى أنّ فطرة الإنسان تدرك الحقيقة بما لها من خاصّيّة خارجيّة ومراتب تشكيكيّة، حيث مرتبة إطلاقها هي اللاتعيّن والتي لا تقبل الإدراك؛ وعليه فإنّ للفطرة بعدًا إدراكيًّا، وبعدًا تحفيزيًّا ومحرّكًا.
بمعنى أنّ الإنسان في هذا النظام، كائن مدرك لذاته، ومدرك للعالم، ومدرك لله.
وإنّ إدراكه لله يكون بذات الأوصاف الذاتيّة لله، وليس إدراكنا المفهوميّ عنه.
إنّ طريقة ظهور مفهوم الله ـ طبقًا لرأي العلّامة الطباطبائيّ ـ وكذلك وجوده عند ديكارت، إنّما هو مجرّد إدراك ذهنيّ ومفهوميّ بحت، حيث لا يتطابق مع مصداق لا تعيّن الله أبدًا؛ وذلك لأنّ الحقيقة المطلقة لا يتسع لها المفهوم والذهن.
ومن ناحية أخرى فإنّ الإدراك الديكارتيّ إدراك مثاليّ وذاتانيّ، وليس إدراكًا واقعيًّا وحقيقيًّا.
في حين أنّ ذات الحقّ عند العلّامة الطباطبائيّ هو عيّن التحقّق والتجلّي الخارجيّ، وإنّ العلم بما له من خاصّيّة الكشف هو المعتبر عندنا، وليس بالرؤية الديكارتيّة.
الإشكال الآخر هو أنّ معرفة ديكارت لله مجرّد معرفة عقليّة، وهي في التطبيق الديكارتيّ محدودة للغاية وعاجزة عن إدراك حقيقة الوجود، أمّا العلّامة الطباطبائيّ فإنّه بالإضافة إلى اعتقاده بأنّ للعقل مزيدًا من التوسّع والشهود، ويؤمن بالعقل الكلّيّ ـ في قبال العقل الجزئيّ لديكارت ـ يعتقد بأنّ ذات الحقّ تعالى لا يمكن إدراكه بالعقل الصرف.
كما أنّه يرى ضرورة المعرّفات الشهوديّة والوحيانيّة ـ التي تفوق العقل ـ في إدراك حقيقة الوجود.
ومن ناحية أخرى فإنّه لا يعطي الموضوعيّة لفكر الإنسان في خصوص معرفة الحقيقة، ويقول: (إنّ الإنسان يمتلك بفطرته الإلهيّة رؤية واقعيّة، وإنّه ما دام على قيد الحياة لا يستطيع الخروج من دائرة التفكير، وأنّ كلّ ما يحصل عليه هو التفكير، ولكنّه في الوقت نفسه لم يُرد التفكير أبدًا، ولا يرى موضوعيّة للفكر، ويسعى على الدوام إلى البحث عن الواقعيّة الخارجة والمستقلّة عن التفكير)[64].
إن مثلِ إدراك الإنسان في هذا العالم الواقعيّ وعن الواقعيّة المطلقة عند العلّامة الطباطبائيّ، كمثل شخص ينظر إلى نفسه في المرآة، ولكنّه لا يعطي الحقيقة إلى تصوّره فيها، وإنّما إلى ذاته الخارجيّة؛ ولذلك فإنّ علم ديكارت بالله وطريقة ظهور مفهومه تبعًا لوجوده، علم مفهوميّ وذهنيّ ونفسيّ، وعلى أساس هذا المفهوم، يحقّق الله ويخطط له في خارج ذاته.
في حين أن الرؤية عند العلّامة الطباطبائيّ في هذا الشأن معكوسة تمامًا، بمعنى أن نفسنا وذهننا متأثر بالحقيقة الخارجية على أساس مراتبها، ولو لم يكن هناك خارج ولم نكن جزءًا من هذا الخارج، لما كان لدينا إدراك عن حقيقته.
ومن هنا فإنّ علمنا تابع لحقيقة الخارج، بمعنى أنّ الخارج معلوم بعلمنا وليس وصفًا لعلمنا.
وإنّ الله هو عين الخارج ونفس الحقّ الذي يتجلّى فينا.
يرى العلّامة الطباطبائيّ أنّ الله معرّف بذاته وأنّه معلوم بالذات، وأنّ ما سواه معلوم بالعرَض، ويذهب في ذلك إلى الاعتقاد بالقول [نقلًا عن أمير المؤمنين ×]: (ليس بإله من عرف بنفسه، هو الدال بالدليل عليه، و المؤدّي بالمعرفة إليه)[65].
قال العلّامة الطباطبائيّ ـ استنادًا إلى قوله تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ[66] ـ في ردّ العلم التصوريّ لديكارت عن الله سبحانه وتعالى: (إنّ الصورة الذهنيّة لغير الله متطابقة مع واقعه، خلافًا لله تعالى، حيث التصوّرات التي تَرِد على الذهن عنه ـ أيًّا كانت ـ مخالفة للخارج والواقع، وإنّها ليست صورته؛ لأنّ الذهن لا يستطيع الإحاطة به)[67].
يرى العلّامة الطباطبائيّ أنّ المسار الحقيقيّ والواقعيّ للحق تعالى هو مسار النفس (الفطرة)، وقال في ذلك: (نفس المؤمن هو طريقه الذي يسلكه إلى ربه، وهو طريق هداه، وهو المنتهى به إلى سعادته)[68]، ومن هنا فإنّ معرفة النفس التي تمثّل الطريق إلى معرفة الله بارزة جدًا في رؤية العلّامة الطباطبائيّ وتحظى عنده بأهمّيّة بالغة؛ وعليه فإنّ معرفة الله عند العلّامة الطباطبائيّ معرفة فطريّة ودينيّة وعقلائيّة، بمعنى أنّها مزيج من عدّة طرق، في حين أنّها عند ديكارت عبارة عن مجرّد العقل، بل إنّ المسؤول عن معرفة الله من العقل هو الشعور بامتلاك تصوّر واضح ومتمايز عنه.
وبطبيعة الحال فإنّ هذا المقدار من المعرفة الناقصة يفي بغرض ديكارت ويكفيه؛ إذ هو لا يروم غير إله له شأن معرفيّ، ويضمن له صحّة علمه ونظامه الفلسفيّ.
إنّ الواقعيّة عند العلّامة الطباطبائيّ متقدّمة على العلم.
بمعنى: (أنّ النظام الخارجيّ له نوع تقدّم وجوديّ على الصورة العلميّة والقوانين الكلّيّة، وإنّ العلوم تابعة للقوانين الخارجيّة)[69].
3 / 5 ـ شأن الله وما بعد الطبيعة
ذكرنا أنّ لإله ديكارت مجرّد شأن إبستيمولوجيّ ومعرفيّ، وهو طبقًا لرغبة ديكارت صانع القوانين الميكانيكيّة في العالم، وبالتالي فهو عين الطبيعة، في حين أنّ لله ـ من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ ـ شأنًا أنطولوجيًّا ووجوديًّا، وهو عين الحقّ والحقيقة المطلقة، حيث قال: (فعله وحكمه تعالى نفس الحقّ، لا مطابق للحقّ موافق له)[70].
لا يرى العلّامة الطباطبائيّ أنّ حقيقة الله تابعة لنموذج من خارج ذاته، بل الله وتبعًا له نظام الوجود هو عين الحقّ وفعل الله، وجميع ما في الوجود يُخبر بوجه من الوجوه عن ذاته اللامتناهية، أي: (أنّ نشأة الوجود لا تتضمّن إلّا وجودًا واحدًا مستقلًّا هو الواجب عزّ اسمه، والباقي روابط ونسب وإضافات)[71].
إنّ الحقّ تعالى ـ طبقًا لرؤية العلّامة الطباطبائيّ ـ حقيقة مطلق الوجود، ولها وحدة حقّة لا تقبل التثنية، وما سواه من الأفعال والمعاليل إنّما هي تجلّياته وفيضه، وهي عين الفقر والارتباط، وليست مجرّد فقيرة ومرتبطة.
وطبقًا لهذا التحليل فإنّ الإله الديكارتيّ إله مفهوميّ لا ضرورة إلى تحقّقه الخارجيّ؛ وذلك لأنّ أساس التفكير الإنسويّ لديكارت لا يقتضي وجود مثل هذا الإله.
في حين أنّ الله عند العلّامة الطباطبائيّ هو منشأ وعلّة تحقّق الوجود واستمراره، وأمّا وجود الإله الديكارتيّ، فهو رهن بإدراكه الواضح من قبل ديكارت، فإذا لم يتمّ تصوّره بالبداهة العقليّة، فلن يكون له حتى هذا المقدار من الوجود والشأن الإبستيمولوجيّ أيضًا.
إنّ الله عند العلّامة الطباطبائيّ هو إله أنطولوجيّ وجوديّ وخالق وخلّاق لا متناهٍ وهو عين الفاعليّة وغاية الوجود، وجميع ما سواه آية عليه ويتّجه إليه ويتحرّك نحوه بشكل حثيث.
وأمّا الإله الديكارتيّ، فهو إله فاقد للروح والحيويّة والنشاط، وهو منذ البداية وُلد ميْتًا، ومعلولًا لذهن ديكارت وعقله.
ولا يمكن تفسير الوجود من خلال إثبات وجود الإله الديكارتيّ، ولا يكون معقولًا بواسطته؛ وذلك لأنّ الوجود الفَقْريّ والربطيّ للممكنات التي هي آيات إلهيّة، سوف تصبح موضوعات لذوات هي بنفسها عين الربط ومعلولة، ولا تمتلك استقلاليّة من ذاتها، في حين أنّ ديكارت قد أعطى الاستقلال الإلهيّ إلى الـ (أنا المدركة)، وجعلها هي الأساس والمبنى في خلق العالم، بمعنى أنّه قد غيّر في مواضع العلول والعلّة والشأن المطلق والمحدود، وأحلّ كلّ واحد من هذه المفاهيم محلّ الآخر.
3 / 6 ـ نسبة الإنسان إلى الله
حيث يكون ذات الحقّ تعالى والتوحيد الإطلاقيّ ـ عند العلّامة الطباطبائيّ ـ هو منشأ الوجود، فإنّ جميع الممكنات ومنها الإنسان معلولة لفعل الحقّ، حيث لا يكون لها أيّ نوع من الاستقلال أبدًا، لا في الذات ولا في الأفعال ولا في الصفات.
إنّ الإنسان مخلوق، ولكنّه ليس في عرض سائر المخلوقات، فهو يمتلك فطرة إلهيّة وإرادة واختيارًا وشعورًا، وهو مدرك لذاته ونفسه، ولخالقه، والكون المحيط به.
والإنسان ـ من وجهة نظر ديكارت ـ كائن ذو بُعد واحد، وهو مجرّد مفكّر، وتفكيره إنّما يكون معتبرًا على أساس قوّة العقل.
وهذا العقل بدوره هو العقل الجزئيّ والميكانيكيّ.
في حين أنّ الإنسان ـ من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ ـ كائن متعدّد الأبعاد، ولا سيّما في البُعد الروحيّ والمعنويّ؛ حيث يشتمل على اتجاهات مختلفة، من قبيل: البحث عن الحقيقة، والمعرفة، والعبوديّة، والقيَم، والمعنويّات، والخلود.
إنّ هذا الكائن ليس من سنخ الطبيعة الجامدة والميّتة، وإن نسبته إلى الله ليس كعين نسبة سائر المخلوقات إلى الله سبحانه وتعالى، بل هي نسبة خاصّة وفذّة تتلخّص فيها كلّ هويّته الإنسانيّة.
يتمّ لحاظ الإنسان عند ديكارت بلحاظ الرؤية الذاتانيّة، بوصفه كائنًا أصيلًا ومستقلًّا، وأمّا من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ فإنّ الإنسان هو فقر محض وعين الربط، وفي الوقت نفسه يمتلك القدرة والاستعداد إلى التعالي والإبداع إلى أقصى الحدود.
إنّ الإنسان والممكنات ـ طبقًا للرؤية التوحيديّة عند العلّامة الطباطبائيّ ـ تجلّيات لغاية وجزء منها.
وقد ذهب إلى الاعتقاد قائلًا: (إنّ الغاية عبارة عن الصورة الأكمل لوجود كلّ شيء يسير في طريق التكامل، ليحوّل الصورة الناقصة لوجوده إليه)[72].
وقال سماحته في موضع آخر: (إنّ مثل الله والعلّة والمعلولات المادّيّة، مثل اليد واليراع والكتاب والقلم)[73].
الإنسان في فلسفة ديكارت فاقد للغاية، أو هو (ذات الغاية).
أو بعبارة أخرى: إذا كانت له من غاية، فإنّه يجهل هذه الغاية، وأمّا من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ، فإنّ للإنسان غاية، وإنّه يعرف هذه الغاية.
بمعنى: (إنّه تعالى إذا خلق شيئًا وقال له: كن فكان..
انتزع العقل من العين الخارجيّة نفسها، فهي إيجاد من الله تعالى وحكم بأنّ وجوده يتوقّف على إيجاده، كذلك ينتزع العقل من فعله تعالى بالنظر إلى ما أشرنا إليه من صفاته العليا أنّه فعله وأنّه ذو مصلحة مقصودة ثمّ يحكم بأنّ تحقّق الفعل يتوقّف على كونه ذا مصلحة)[74].
وبعبارة أخرى: (أيّد [الله] الإنسان بأنّ هداه إلى الحقّ، وزيّن الإيمان في قلبه وفَطَرَه على التوحيد، وعرّفه الفجور والتقوى)[75].
يثبت العلّامة الطباطبائيّ غاية الوجود والإنسان من طريق الفطرة ومن طريق العلّيّة والمعلوليّة ومن طريق التدبّر الآفاقيّ أيضًا.
إنّ نسبة الإنسان إلى الله ـ من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ ـ هي نسبة خلّاقة، بمعنى أنّها نسبة المملوك إلى المالك، ونسبة المعشوق إلى العاشق، والمعبود إلى العابد، أي أنّ النسبة القائمة هي نسبة العبوديّة، ونسبة الحقّ إلى الغاية.
يقول العلّامة الطباطبائيّ: (إنّ العودة إلى الغاية هي الحقّ؛ إذ لو كان الخلق من دون غاية، لكان عبثًا ولعبًا)[76].
طبقًا لمقتضى رؤية العلّامة الطباطبائيّ، فإنّ نسبة الإنسان إلى الله في فلسفة ديكارت هي مجرّد نسبة طبيعيّة، أي الصانعيّة والمصنوعيّة.
إنّ الإنسان في هذه المنظومة ـ بالقياس إلى سائر الممكنات والمصنوعات ـ ليس له نسبة أخصّ مع الله سبحانه وتعالى.
وأمّا من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ، فإنّ الإنسان ـ بوصفه مخلوقًا أسمى ـ يمتلك كرامة ذاتيّة وقدرة على تسخير الطبيعة وقوى خاصّة تميّزه من جميع المعلولات.
ويعبّر العلّامة الطباطبائيّ عن هذا الإنسان بالإنسان الفطريّ والطبيعيّ، وهو ما سوف نتحدّث عنه في ختام هذه المقالة إن شاء الله.
3 / 7 ـ الإنسان الكامل (الفطريّ أو المعنويّ)
إنّ التعبير بـ (الإنسان المعنويّ) ـ في رؤية العلّامة الطباطبائيّ ـ مصطلح يُبيّن حقيقة، ومسائل، ورسالة، ومفهوم الحياة، والشكل الصحيح للحياة، وخلود وسعادة الإنسان.
والإنسان المعنويّ إنسان ينشد الحقيقة المعنويّة والوصول إلى الغيب وما وراء الطبيعة، وهو إنسان لا يبحث عن غايته في العالم المادّيّ، إنّه إنسان يستوحي شكل حياته الصحيحة في ما وراء العالم المادّيّ، أي أنّه يبحث عنها في الدين، فهو الإنسان المُلهَم من قبل الله والحقيقة المطلقة.
وهو إنسان لا يحصر هويّته في حدود المادّة والدنيا، بل يرى لنفسه مساحة أخرويّة أيضًا.
وهو إنسان تكون سعادته أمرًا حكيمًا.
ويُعبّر العلّامة الطباطبائيّ عن هذا الإنسان بأنّه إنسان كامل، ويرى له شأنًا وراء جميع الأشياء، وقال: (قد خلق الله سبحانه هذا النوع، وأودع فيه الشعور، وركّب فيه السمع و البصر والفؤاد، ففيه قوّة الإدراك والفكر، بها يستحضر ما هو ظاهر عنده من الحوادث وما هو موجود في الحال وما كان وما سيكون..
فله إحاطة ما بجميع الحوادث..
وقد اختار تعالى لهذا النوع سنخ وجود يقبل الارتباط بكلّ شيء، ويستطيع الانتفاع من كلّ أمر...
إلى غير ذلك من الآيات الناطقة بكون الأشياء مسخّرة للإنسان)[77].
إنّ هذا التعبير يمحو المساحة الطبيعيّة البحتة للإنسان الديكارتيّ، ويضعه في ما وراء المادّة والطبيعة.
إنّ هذا الإنسان في ارتباطه مع الله ما هو إلّا مجرّد عبد، ومالك للعبوديّة وليس شيئًا آخر.
وقال العلّامة الطباطبائيّ في هذا الشأن: (فهو سبحانه المالك على الإطلاق، وليس لغيره إلّا المملوكيّة من كلّ جهة، ولا للإنسان إلّا العبوديّة محضًا)[78].
إنّ استناد العلّامة الطباطبائيّ إلى قوله تعالى:...
تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ...
[79] من شأنه أن يزعزع الأصالة الذاتيّة والمعرفيّة (أصالة العقل) الديكارتيّة، وقد تحدّث العلّامة الطباطبائيّ في خصوص العبوديّة قائلًا: (الحاصل أنّه تعالى هو المالك لهم ملكًا تكوينيًّا يكونون به عبيده الداخرين لقضائه، سواء أعرفوه أم جهلوه، أطاعوه في تكاليفه أم عصوه، وهو المالك لهم ملكًا تشريعيًّا يوجب له عليهم السمع والطاعة، ويحكم عليهم بالتقوى والعبادة)[80].
إنّ المنطق أعلاه يعتبر حياة الإنسان مجعولة من قبل الحقّ تعالى، كما يعتبر قوانين حياته من تشريع الحقّ تعالى أيضًا، بمعنى أنّ الإنسان يعيش ضمن منظومة ليس له أيّ قدرة على التدخّل والتصرّف في هويّتها وسننها، وإنّما يمكنه طبقًا لاختياره وإرادته أن يختار واحدًا من الخيارات أو يرفضه.
إنّ هذا الإنسان حتى اختياره يكون فانيًا في الله، ولا يفصل بين العقل والفطرة، بمعنى أنّه يعمل بمقتضى الفطرة.
ومن هنا فإنّ العلّامة الطباطبائيّ يرى أنّ الفطرة هي العقل، وأنّ التمرّد عليها تمرّد على العقل، واستنادًا إلى ذلك يقول: (لا أحد يتمرّد على ما لا تقتضيه الفطرة، إلّا الذي يُلغي عقله، ويسلك غير طريق العقل)[81].
ثم استند بعد ذلك إلى قوله تعالى:وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ[82].
لا يرى العلّامة الطباطبائيّ أنّ الفطرة قابلة للنبذ والإبطال، ويقول في ذلك: (إنّ الانحراف الوحيد الذي يمكن أن يطرأ عليها، يكمن في كيفيّة استعمالها)[83].
إنّه يرى أنّ نظام العبوديّة بالنسبة إلى الإنسان حكم عقليّ وضروريّ، وقال في ذلك: (إذا قضى الإنسان أنّ للعالم إلهًا خلقه بعلمه وقدرته لم يكن له بدّ من أن يخضع له خضوع عبادة اتباعًا لناموس العالم الكونيّ، وهو خضوع الضعيف للقويّ ومطاوعة العاجز للقادر، وتسليم الصغير الحقير للعظيم الكبير، فإنّه ناموس عامّ جار في الكون حاكم في جميع أجزاء الوجود)[84]، كما أنّه يرى أنّ العبوديّة هي اللغة العامّة للممكنات مع اختلاف في الشدّة والضعف، ويذهب إلى الاعتقاد قائلًا: (وظهوره [أي الخضوع والتذلل] في العالم الإنسانيّ أوسع وأشدّ وضوحًا من سائر الحيوان لما في هذا النوع من عمق الإدراك وخصّيصة الفكر، فهو متفنّن في إجرائه في غالب مقاصده وأعماله جلبًا للنفع أو دفعًا للضرر..
ولا فرق في ذلك بين الخضوع للربّ تعالى وبينه إذا تحقّق من العبد بالنسبة إلى مولاه أو من الرعيّة بالنسبة إلى السلطان أو من المحتاج بالنسبة إلى المستغني أو غير ذلك؛ فالجميع عباده)[85].
والعبادة هي (إظهار الإنسان لمملوكيّته أمام الخالق)[86].
يقول العلّامة الطباطبائيّ في إبطال أصالة الإنسان والنظرة الإنسويّة إلى الإنسان: (فالعبادة إنّما تكون عبادة حقيقة، إذا كانت على خلوص من العبد، وهو الحضور الذي ذكرناه، وقد ظهر أنّه إنّما يتمّ إذا لم يشتغل بغيره تعالى في عمله)[87].
إنّ نسبة الإنسان المعنويّ ـ من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ ـ إلى الله كالنسبة بين الاسم والصفة، وقال في خصوص هذه النسبة: (لا فرق بين الصفة والاسم غير أنّ الصفة تدلّ على معنى من المعاني يتلبّس به الذات أعمّ من العينيّة والغيريّة، والاسم هو الدالّ على الذات مأخوذة بوصف)[88].
إنّ مثل هذا الإنسان هو دائمًا في حضرة الله سبحانه وتعالى، ولا يغيب عن هذا الحضور الدائم والضروريّ في أيّ آن.
وإنّ هذا الشخص هو اسم من أسماء الله وصفة من صفاته، وقال العلّامة الطباطبائيّ في هذا الشأن: (فتبيّن أنّا ننتسب إليه تعالى بواسطة أسمائه، وبأسمائه بواسطة آثارها المنتشرة في أقطار عالمنا المشهود)[89].
وباختصار فإنّ هذا الإنسان هو في ذاته إنسان معنويّ ينشد الوصول إلى الحقيقة، وهو مستسلم وخاضع أمام المعنى والمفهوم، بمعنى: (إنّ جميع الموجودات ومنها الإنسان، مرايا تعكس بحسب استحقاقها جمال الحقّ، ولا وجود استقلاليّ لها سوى كونها مرايا؛ ولذلك فإنّ كلّ ما تعكسه هو جلال الله وجماله)[90].
ويرى العلّامة الطباطبائيّ أنّ الإنسان هو الكون الأكبر، ويقول في ذلك: (يمكن لروح الإنسان أن تفنى في مرتبة من مراتب الذات، وفي هذه الحالة لن يبقى شيء سوى تلك المرتبة)[91]، وهو يرى أنّ سعادة هذا الإنسان تكمن في: (عودته إلى منزله الأوّل، ويجب عليه أن لا يخضع أو يخشع إلّا إليه)[92].
إنّ هذا الإنسان: (ساعٍ إلى ربّه؛ لأنّه في حركة دائبة إليه منذ بداية خلقه، ولهذا السبب تمّ التعبير عنه في الكثير من الآيات بـ (اللبث) و(المكث) في الدنيا)[93].
إنّ الإنسان المعنويّ ـ في البيان الفكريّ للعلّامة الطباطبائيّ ـ ساعٍ إلى الحقّ، وإنّه لشديد الهشاشة والانكسار أمام الخطيئة والمعصية، حيث يفقد الحاسة المعنويّة وقواه الإدراكيّة بسببها، وقال العلّامة الطباطبائيّ في هذا الشأن: (إنّ الإنسان الكامل لا يرى سوى الله، ويفنى في ذات الحقّ تعالى وصفاته وأفعاله)[94].
إنّ الكمال الحقيقيّ لهذا الإنسان (هو الخلاص والتحرّر من جميع القيود والفناء في الحقّ تعالى.
بمعنى الوصول إلى مقام الفناء الذاتيّ والوصفيّ والفعليّ، والذي يُعبّر عنه بالتوحيد الذاتيّ والتوحيد الصفاتيّ والتوحيد الفعليّ.
وهو مقام الوحدة والوحدة والوحدة)[95].
إنّ الإنسان الكامل ـ من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ ـ هو الإنسان الذي يصل في مقام الرؤية التوحيديّة إلى كلّ العالم.
وقال في هذا الشأن: إنّ الرؤية التوحيديّة (رؤية كونيّة شاملة للوجود، وهي عبارة عن رؤية وجوديّة وأنطولوجيّة عميقة، فليست المسألة مجرّد قضيّة (وجود الله) فقط.
بل إنّ الاعتقاد بالتوحيد يتعدّى حدود المفهوم الذهنيّ، ويستوعب جميع الحياة وكافّة أبعاد الوجود، بحيث إنّ الموحّد يفكّر على مستوى الرؤية والسلوك وردود الأفعال في الاعتقاد والعمل بشكل توحيديّ، ويتصرّف على هذا الأساس، ويكون كلّ وجوده معمورًا بالتوحيد)[96].
والنتيجة هي أنّ الإنسان الكامل والفطريّ في الرؤية الأنثروبولوجيّة عند العلّامة الطباطبائيّ، تقع إلى الضدّ تمامًا من الإنسان المتأصّل والمحوريّ عند ديكارت.
إنّ الإنسان المتمحور حول ذاته يرى نفسه محورًا لكلّ شيء، ويرى ما وراءه عبارة عن مجرّد تصوّراته وأوهامه وظنونه، وليس الله بالنسبة له سوى تصوّر واضح يحتاج إليه في التأسيس لمنظومته العلميّة.
وارتباطه بالله في عرض ارتباطه بسائر الأشياء الطبيعيّة، في حين أنّ إله الفكر والتفكير من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ، إله محسوس وواقعيّ وخلّاق ومطلق، وله ارتباط متواصل ومستمرّ وعلّيٌّ بالعالم والإنسان.
وإنّ نسبة هذا الإنسان إلى ربّه وبارئه نسبة خاصّة ومفهومة ومتكاملة ومانحة للوجود والماهيّة.
النتيجة
إنّ نظام الوجود ـ طبقًا للمباني الفلسفيّة لديكارت ـ نظام ميكانيكيّ، لا وجود فيه لغير الحركة والامتداد.
إنّ إله ديكارت خالق، بمعنى أنّه المحرّك لهذا العالم والمسؤول عن خلقه واستمرار قوانينه؛ وذلك لأنّ الإنسان الديكارتيّ غير قادر على حفظ نظام العالم واستمراره.
إنّ الإنسان في رؤية ديكارت وإن كان يمتلك روحًا زائدًا على هذا الجسم الميكانيكيّ، ولكن حيث يتمّ بيان هذه الروح بالعقل الرياضيّ أيضًا، لا يكون لها مكانة فوق الوجود المادّيّ.
ومن ناحية أخرى فإنّ الإنسان الديكارتيّ ـ بسبب الثنويّة وعدم الوحدة الواقعيّة بين الروح والجسد ـ إنسان مهزوز الهويّة ومفتقر إلى الاعتبار.
إنّ هذا الإنسان يعمل على إثبات وجوده والعالم والإله استنادًا إلى مجرّد البداهة العقليّة فقط.
إنّ الله والعالم مفاهيم يحصل عليها من داخله.
إنّ الإله الديكارتيّ إله مفتقر إلى الروح والتأثير تقريبًا، كما أنّ الإنسان الديكارتيّ هو على خلاف فطرته ووضعه الراهن.
إنّ هذا الإنسان يتمّ تحليله بوصفه ظاهرة طبيعيّة، وهو مثل سائر الأشياء مجرّد مصنوع ومخلوق من قبل الله، وليس له أيّ ارتباط أو صلة مفهوميّة مع الله وما وراء الطبيعة.
وعلى المقلب الآخر نجد أنّ الإنسان ـ المنظور من قبل العلّامة الطباطبائيّ ـ إنسان معنويّ وأنّ أصالته تكمن في الروح.
إنّ الروح أمر مجرّد بالكامل، وهي من عالم الملكوت والأمر، وتعمل على تدبير وتنظيم جسم الإنسان، ونسبة هذا الإنسان إلى الله هي نسبة الافتقار والربط (العلّيّة)، ولا يمكن تعريف هويّة هذا الإنسان إلّا بواسطة ربطه بالله سبحانه وتعالى، فعلاقته بخالقه هي علاقة المملوك والمالك، والعابد والمعبود، والعاشق والمعشوق، والمعلول والعلّة، وهذا الإنسان هو إنسان هادف ومدرك للغاية ويمتلك فطرة إلهيّة، وعارف بنفسه والعالم، ويسعى وراء الحقيقة.
ومن هذه الناحية فإنّ الإنسان الديكارتيّ يعجز عن بيان حقيقته بشكل صحيح، وحيث إنّه لا يدرك نسبته إلى الله، ولأنّه لا يمتلك إدراكًا واقعيًّا لله في العالم، وبسبب عدم المفهوميّة في الحياة، تجده معارضًا للمعنويّات والغايات، فهو إنسان قد شذّ وابتعد عن الحقيقة والرسالة والغاية والشكل الصحيح لحياته.
يرى العلّامة الطباطبائيّ أنّ الانحراف في هذه المقولات وعدم فهم حقيقة الإنسان ورسالته، وغايته ونسبته إلى الله، هو السبب في انتشار الإلحاد والتهتّك الثقافيّ في العالم الغربيّ.
بمعنى أنّ الانحراف في مفهوم الإنسان وتعريفه شكّل أساسًا وأرضيّة للانحراف في كلّ شيء، ابتداءًا من الانحراف في الثقافة والعقيدة والأخلاق، وصولًا إلى الانحراف في أساليب الحياة والغايات والمعنويّات وارتباط الإنسان بالله والعالم.
وإنّ طريق الحلّ وخروج الإنسان المعاصر من هذا المأزق يكمن ـ من وجهة نظر العلّامة الطباطبائيّ ـ في عودته إلى الذات الواقعيّة، والمضيّ في مسار المعنويّات والفطرة السليمة بوصفها الصراط المستقيم لهدايته.
وإنّ عودة الإنسان إلى ذاته تعني إيمانه بحقيقة الوجود وما وراء الطبيعة والخلود والاعتراف بمعلولّيّته وفقره المحض، في قبال الغنى المحض، واعترافه بعبوديّته وخضوعه وانصياعه أمام العلّة المطلقة، وغاية الوجود المتمثّلة بالحقّ سبحانه وتعالى.
مصادر ومراجع باللغة العربيّة
القرآن الكريم.
تامسون، غيرت، فلسفة ديكارت، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: علي بهروزي، نشر طرح نو، ط 1، 1385 هـ ش.
ديكارت، رينيه، اصول فلسفه (أصول الفلسفة)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: منوتشهر صانعي، نشر آگاه، ط 2، طهران، 1364 هـ ش.
ديكارت، رينيه، اعتراضات (الاعتراضات)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: علي موسائي، نشر علمي فرهنگي، ط 2، طهران، 1386 هـ ش).
ديكارت، رينيه، تأمّلات، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: أحمد أحمدي، مركز نشر دانشگاهي، ط 2، طهران، 1369 هـ ش.
ديكارت، رينيه، گفتار در روش درست راه بردن عقل (مقالة في أسلوب التوجيه الصحيح للعقل)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: محمد علي فروغي، نشر دامون، ط 1، طهران، 1385 هـ ش.
سالمن، روبرت سي.
وهيجينز، كاتلن، شور خرد (حماسة العقل)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: كيوان قباديان، نشر اختران، ط 1، طهران، 1387 هـ ش.
العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، رسالة الولاية، إعداد: صادق لاريجاني، مطبوعات ديني، ط 10، قم، 1386 هـ ش.
العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، إعداد: جامعة المدرّسين في الحوزة العلميّة بقم، دفتر انتشارات إسلامي (مجلدان)، ط 1، 1384 هـ ش.
(مصدر فارسيّ).
العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، نهاية الحكمة، مؤسسة انتشارات اسلامي، قم، 1362 هـ ش.
مجتهدي، كريم، دكارت وفلسفه او (ديكارت وفلسفته)، نشر أمير كبير، ط 2، طهران، 1385 هـ ش.
(مصدر فارسيّ).
مجتهدي، كريم، فلسفه وغرب (الفلسفة والغرب)، نشر أمير كبير، ط 1، طهران، 1380 هـ ش.
(مصدر فارسيّ).
مدد پور، محمد، سير حكمت و هنر مسيحي (مسار الحكمة والفن المسيحيّ)، نشر سورة، ط 1، طهران، 1381 هـ ش.
(مصدر فارسيّ).
مصلح، علي أصغر، تمهيدي براي فهم إنسان در فلسفه معاصر: رهيافت هاي فكري / فلسفي معاصر در غرب (مقدّمة لفهم الإنسان في الفلسفة المعاصرة: مداخل فكريّة / فلسفيّة معاصرة في الغرب)، ج 1، پژوهشگاه علوم انساني و مطالعات فرهنگي، 1388 هـ ش.
(مصدر فارسيّ).
الميزان في تفسير القرآن، ج 1، مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، 1384 هـ ش.
همّتي، همايون، خدا در فلسفه دكارت وصدر الدين شيرازي (الله في فلسفة ديكارت وصدر الدين الشيرازيّ)، 1386 هـ ش.
هوسرل، إدموند، تأمّلات ديكارتي، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: عبد الكريم رشيديان، نشر ني، ط 2، طهران، 1386 هـ ش.
مصادر ومراجع باللغة الأجنبيّة
adam, charles, and tanneg, paul, 1974-86, deurres de descartes, paris, vol, p.
226.
haldane e.
s.
and ross, g.
t.
r.
(trs.), 1972, the philosophical works of deseartes, cambridge university.
1972, p.
224.
-------------------------------
[1]*- باحث في الفلسفة وأستاذ مساعد وعضو اللجنة العلميّة في جامعة العلّامة الطباطبائيّ.
**- باحث في حقل الفلسفة المقارنة من الجامعة الحرّة، فرع العلوم والتحقيقات / طهران.
ـ تعريب: حسن علي مطر الهاشمي.
- subjectivism.
[2]- thinker ego.
[3]- cogito ergo sum.
[4]- ration al intuition.
[5]- ديكارت، رينيه، تأمّلات، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: أحمد أحمدي، ص 28، مركز نشر دانشگاهي، ط 2، طهران، 1369 هـ ش.
[6]- thinking.
[7]- doubting.
[8]- ديكارت، رينيه، تأملات، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: أحمد أحمدي، ص 45، 1369 هـ ش.
[9]- idealism.
[10]- realistic.
[11]- idealistic.
[12]- ego-transcendantal.
من الجدير ذكره أنّه طبقًا لمستندات وشواهد من كتاب (الاعتراضات) فإنّ معنى كلمة (الذات) و(الموضوع) كانت تستعمل بعكس المعنى الراهن لهما، فإنّ (الذات) كانت تستعمل بمعنى الشيء الخارجيّ، و(الموضوع) بمعنى الشيء الذهنيّ.
(انظر: ديكارت، رينيه، اعتراضات (الاعتراضات)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: علي موسائي، ص 52، نشر علمي فرهنگي، ط 2، طهران، 1386 هـ ش).
[13]- انظر: مجتهدي، كريم، دكارت و فلسفه او (ديكارت وفلسفته)، ص 42، نشر أمير كبير، ط 2، طهران، 1385 هـ ش.
(مصدر فارسي).
[14]- انظر: تامسون، غيرت، فلسفة ديكارت، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: علي بهروزي، ص 124، نشر طرح نو، ط 1، 1385 هـ ش.
[15]- انظر: تامسون، غيرت، فلسفة ديكارت، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: علي بهروزي،، ص 125، نشر طرح نو، ط 1، 1385 هـ ش.
[16]- المصدر أعلاه، ص 159.
[17]- المصدر أعلاه.
[18]- المصدر أعلاه، ص 204.
[19]- انظر: هوسرل، إدموند، تأمّلات ديكارتيّ، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: عبد الكريم رشيديان، ص 57، نشر ني، ط 2، طهران، 1386 هـ ش.
[20]- مصلح، علي أصغر، تمهيدي براي فهم إنسان در فلسفه معاصر: رهيافت هاي فكري / فلسفي معاصر در غرب (مقدّمة لفهم الإنسان في الفلسفة المعاصرة: مداخل فكريّة / فلسفيّة معاصرة في الغرب)، ج 1، ص 25، پژوهشگاه علوم انساني و مطالعات فرهنگي، 1388 هـ ش.
(مصدر فارسيّ).
[21]- انظر: همّتي، همايون، خدا در فلسفه دكارت و صدر الدين شيرازي (الله في فلسفة ديكارت وصدر الدين الشيرازي)، ص 153، نشر سوره، ط 1، طهران، 1386 هـ ش.
(مصدر فارسي).
[22]- المصدر أعلاه، ص 159.
[23]- المصدر أعلاه، ص 158.
[24]- ديكارت، رينيه، تأملات، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد أحمدي، ص 69، 1369 هـ ش.
[25]- همّتي، همايون، خدا در فلسفه دكارت و صدر الدين شيرازي (الله في فلسفة ديكارت وصدر الدين الشيرازيّ)، ص 80، 1386 هـ ش.
[26]- haldane e.
s.
and ross, g.
t.
r.
(trs.), 1972, the philosophical works of deseartes, cambridge university.
1972, p.
224.
[27]- ديكارت، رينيه، اصول فلسفه (أصول الفلسفة)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: منوتشهر صانعي، ص 48، نشر آگاه، ط 2، طهران، 1364 هـ ش.
[28]- همّتي، همايون، خدا در فلسفه دكارت و صدر الدين شيرازي (الله في فلسفة ديكارت وصدر الدين الشيرازيّ)، ص 157، 1386 هـ ش.
[29]- انظر: المصدر أعلاه، ص 160.
[30]- انظر: المصدر أعلاه، ص 167.
[31]- انظر: سالمن، روبرت سي.
وهيجينز، كاتلن، شور خرد (حماسة العقل)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: كيوان قباديان، ص 120، نشر اختران، ط 1، طهران، 1387 هـ ش
[32]- انظر: المصدر أعلاه.
[33]- مدد پور، محمد، سير حكمت و هنر مسيحي (مسار الحكمة والفن المسيحيّ)، ص 346، نشر سورة، ط 1، طهران، 1381 هـ ش.
(مصدر فارسي).
[34]- انظر: ديكارت، رينيه، تأمّلات، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد أحمدي، ص 57، 1369 هـ ش.
[35]- المصدر أعلاه، ص 91، 1362 هـ ش.
[36]- ديكارت، رينيه، گفتار در روش درست راه بردن عقل (مقالة في أسلوب التوجيه الصحيح للعقل)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: محمّد علي فروغي، ص 53، نشر دامون، ط 1، طهران، 1385 هـ ش.ّ
[37]- انظر: مجتهدي، كريم، دكارت و فلسفه او (ديكارت وفلسفته)، ص 12، 1385 هـ ش.
(مصدر فارسي).
[38]- adam, charles, and tanneg, paul, 1974- 86, deurres de descartes, paris, vol, p.
226.
[39]- انظر: مجتهدي، كريم، فلسفه و غرب (الفلسفة والغرب)، ص 202، نشر أمير كبير، ط 1، طهران، 1380 هـ ش.
(مصدر فارسي).
[40]- ontologi cal.
[41]- العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، إعداد: جامعة المدرّسين في الحوزة العلميّة بقم، ص 272، دفتر انتشارات إسلامي (مجلدان)، ط 1، 1384 هـ ش.
(مصدر فارسي).
[وانظر أيضًا: الميزان في تفسير القرآن، ج 14، ص 145].
[42]- البقرة (2): 147؛ آل عمران (3): 60؛ يونس (10): 94؛ هود (11): 17؛ الحج (22): 54؛ السجدة (32): 3.
[43]- العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، نهاية الحكمة، ص 270، 1387 هـ ش.
[44]- انظر: المصدر أعلاه، ص 172.
[45]- انظر: المصدر أعلاه، ص 135.
[46]- انظر: العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، إعداد: جامعة المدرسين في الحوزة العلميّة بقم المقدسة، ص 225، 1384 هـ ش.
(مصدر فارسيّ).
[وانظر أيضًا: الميزان في تفسير القرآن، ج 13، ص 103].
[47]- انظر: العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، ص 456، 1365 هـ ش.
[48]- م.ن، ص 38، 1387 هـ ش.
[49]- انظر: العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، إعداد: جامعة المدرّسين في الحوزة العلميّة بقم، ص 628، 1384 هـ ش.
(مصدر فارسيّ).
[وانظر أيضًا: الميزان في تفسير القرآن، ج 10، ص 193].
[50]- انظر: المصدر أعلاه، ص 657.
[51]- انظر: العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، نهاية الحكمة، ص 270، مؤسسة انتشارات اسلامي، قم، 1362 هـ ش.
[52]- م.ن، ص 19، 1387 هـ ش.
[53]- م.ن، ص 45.
[54]- م.ن، ص166، 1381 هـ ش.
[55]- العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، م.س، ص 167.
[56]- العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، نهاية الحكمة، ص 70، 1387 هـ ش.
[57]- م.ن، ص 16.
[58]- م.ن، ص 29.
[59]- م.ن، ج 1، ص 78.
[60]- م.ن، ص 101.
[61]- م.ن، ص 257.
[62]- العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، نهاية الحكمة، ج 2، ص 160.
[63]- العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، رسالة الولاية، إعداد: صادق لاريجاني، ص 95، مطبوعات ديني، ط 10، قم، 1386 هـ ش.
[64]- العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، نهاية الحكمة، ص 4، 1385 هـ ش.
[65]- العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 6، ص 56.
[66]- فصّلت (41): 53.
[67]- انظر: العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 6، ص 160.
[68]- م.ن، ص 261.
[69]- العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، نهاية الحكمة، ص 470، 1387 هـ ش.
[70]- العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، إعداد: جامعة المدرّسين في الحوزة العلميّة بقم، ج 2، ص 257، 1384 هـ ش.
(مصدر فارسي).
[71]- العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، نهاية الحكمة، ص 31، 1362 هـ ش.
[72]- العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، نهاية الحكمة، ص 206، 1387 هـ ش.
[73]- م.ن، ص 286.
[74]- العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 3؛ العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، إعداد: جامعة المدرّسين في الحوزة العلميّة بقم، ج 2، ص 12، 1384 هـ ش.
(مصدر فارسي).
[75]- العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 84.
[76]- م.ن، ص 270.
[77]- العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 2، ص 65؛ العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، إعداد: جامعة المدرّسين في الحوزة العلميّة بقم، ج 1، ص 252، 1384 هـ ش.
(مصدر فارسيّ).
[78]- المصدر أعلاه، ج 10، ص 193؛ المصدر أعلاه، ج 1، ص 626.
[79]- آل عمران (3): 64.
[80]- العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 6، ص 187؛ مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، ص 730، 1384 هـ ش.
(مصدر فارسيّ).
[81]- العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، إعداد: جامعة المدرسين في الحوزة العلميّة بقم، ج 2، ص 74، 1384 هـ ش.
(مصدر فارسي).
[82]- البقرة (2): 130.
[83]- انظر: العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، إعداد: جامعة المدرسين في الحوزة العلميّة بقم، ج 2، ص 86، 1384 هـ ش.
[84]- المصدر أعلاه، ج 10، ص 141؛ المصدر أعلاه، ص 112.
[85]- العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 10، ص 141؛ مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، ص 112، 1384 هـ ش.
(مصدر فارسي).
[86]- انظر: المصدر أعلاه، ص 203.
[87]- الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 13؛ مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، ص 207، 1384 هـ ش.
[88]- ا الميزان في تفسير القرآن،، ج 8، ص 196؛ مباحث علمي در تفسير الميزان الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان، ص 408.
[89]- المصدر أعلاه، ج 8، ص 196 ـ 197؛ المصدر أعلاه، ص 409.
[90]- انظر: العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، مباحث علمي در تفسير الميزان (الأبحاث العلميّة في تفسير الميزان)، إعداد: جامعة المدرسين في الحوزة العلميّة بقم، ج 1، ص 52، 1384 هـ ش.
[91]- م.ن، ص 77.
[92]- م.ن، ص 79.
[93]- م.ن، ص 73.
[94]- العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، ص 35، 1387 هـ ش.
[95]- العلّامة الطباطبائيّ، محمّد حسين، رسالة الولاية، إعداد: صادق لاريجاني، ص 95، 1386 هـ ش.
[96]- العلّامة الطباطبائيّ، محمد حسين، رسالة الولاية، ج 1، ص 42، 1387هـ ش.