چکیده :
لم تعد الحملة الشرسة التي يقودها العالم الغربي على الدين الإسلامي وقيمه وثوابته سرًّا يخفى على أحد, فما تنضح به آنيتهم من بغض, وما يظهر على فلتات ألسنتهم من حقد, بل وما تظهره تقاريرهم ودراساتهم وما يحيكونه للإسلام وأهله لأكبر دليل على الحرب الكونية على هذا الدين وأهله..{قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118].
هي الحرب إذن يقودها أعداء الدين، ويساندهم فيها بعض ممن تسمى بأسمائنا وتكلم بألسنتنا، بل ومنهم من يلبس مسوح العلماء، ويتزيَّا بزي الصالحين، ليرفع عقيرته داعيًّا إلى تحريف الدين بدعوى التجديد، مجتهدًا في تغير الثوابت بحجة العصرنة ومواكبة الحضارة.
تناول مسألة التجديد في الفكر الإسلامي بدراسة مفصلة، يعرض فيه التجديد بمفهوميه: الصحيح والمنحرف، وعلاقة التجديد ببعض مصادر الاستدلال.
الكتاب تألف من أربعة أبواب وهي كالتالي:
الباب الأول: في هذا الباب تناول المؤلف مفهوم التجديد الصحيح, فبدأ بتعريف التجديد, موضحًا أن العلماء قد تنوعت وتعددت عباراتهم في تعريفه, إلا أنها لا تخرج عن محاور ثلاثة:
الأول: أنه إحياء ما انطمس واندرس من معالم السنن, ونشرها بين الناس, وحمل الناس على العمل بها.
الثاني: قمع البدع والمحدثات, وتعرية أهلها, وإعلان الحرب عليهم, وتنقية الإسلام مما علق به من أوضار الجاهلية, والعودة به إلى ما كان عليه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم.
الثالث: تنزيل الأحكام الشرعية على ما يجدُّ من وقائع وأحداث, ومعالجتها معالجة نابعة من هدي الوحي.
ومن ثم خرج هو بصياغة جامعة من مجموع هذه المحاور؛ ليعرف التجديد بأنه: إحياء وبعث ما اندرس منه، وتخليصه من البدع والمحدثات، وتنزيله على واقع الحياة ومستجداتها.
وبهذا التعريف الذي اختاره المؤلف يتضح أن ما يطرح اليوم من دعوات لتجديد الدين ليواكب قيم الغرب وعاداته ليس من التجديد في شيء بل هو محض تحريف وتزييف.
ومن ثم طرح المؤلف تساؤلاً مهمًّا وهو: لماذا التجديد؟
وفي إجابة على هذا التساؤل ذكر المؤلف أن التجديد حاجة ملحة تحتمها طبيعة هذا الدين وخصائصه التي خصه الله بها ومن هذه الخصائص:
1.
الخلود: فشريعة الإسلام خالدة ممتدة إلى قيام الساعة, ومن هنا كان لا بد من التجديد لسببين اثنين:
السبب الأول: لأن نصوص الشريعة محدودة, والحوادث التي تقع ممدودة.
السبب الثاني: أن تقادم الزمن وبعد الناس عن مصدر الوحي يؤدي بدوره إلى اندراس كثير من معالم الدين, وكثرة الفساد, واتساع رقعة الضلالات, عندها تصبح الحاجة ملحة إلى بعثة المجددين.
2.
الشمول: وهي الخصيصة الثانية التي تحتم التجديد وتجعله لازمًا يتوقف وجودها عليه, والشمول يتناول الزمان والمكان, والإنسان.
وبعد أن تحدث المؤلف عن الأسباب الداعية إلى التجديد انتقل للحديث عن ركائز هذا التجديد التي يقوم عليها, ويستند إليها المجددون في عملهم, ومما ذكره من ركائز:
1.
الركيزة الأولى: الجمع بين خاصتي الثبات والمرونة:
أما خاصية الثبات فعنى بها المؤلف ما لا يتغير بتغير الزمان أو المكان, ولا يسوغ أن يكون محل اجتهاد, فأحكامه ثابتة باقية, وتتجلى خاصية الثبات في:
• العقائد والحقائق الإيمانية, والأخبار الغيبية.
• الأصول والكليات ومقاصد الشريعة.
• الأخلاق والفضائل العامة.
• العبادات.
• أحكام الحدود.
• أحكام المقدرات.
• كل الأحكام التي مصدرها نصوص القرآن والسنة مباشرة.
أما خاصية المرونة فعنى ما أودعه الله في هذه الشريعة من عوامل الخصوبة والحيوية والثراء ما يجعلها صالحة للنماء والتجدد الذاتي.
وتتجلى هذه المرونة في النص على القواعد الكلية دون التعرض للتفصيلات.
2.
الركيزة الثانية: رعاية الضرورات والأعذار والظروف الاستثنائية.
3.
الركيزة الثالثة: تعليل الأحكام الشرعية.
4.
الركيزة الرابعة: مراعاة الشريعة لمصالح العباد.
5.
الركيزة الخامسة: مراعاة الشريعة لأعراف الناس وعاداتهم.
بعد هذا العرض لأهم الركائز التي يقوم عليها التجديد تحول المؤلف للحديث عن المجالات الإجمالية لتجديد الدين فذكر منها:
1.
الحفاظ على نصوص الدين الأصلية صحيحة نقية.
2.
نقل المعاني الصحيحة للنصوص, وإحياء الفهم السليم لها.
3.
الاجتهاد في الأمور المستجدة ، وإيجاد الحلول لها.
4.
تصحيح الانحرافات.
5.
حماية الدين والدفاع عنه والجهاد في سبيله.
كما تناول المؤلف العلاقة بين التجديد وكل من الاجتهاد والبدعة: أما علاقته مع الاجتهاد فبيَّن المؤلف أن الاجتهاد ما هو إلا جزء من التجديد, ومعنى من معانيه المتعددة, فالعلاقة بينهما فيها عموم وخصوص.
أما علاقته مع البدعة فهي علاقة مبيانة, واختلاف, ومقابلة؛ لأسباب منها أن الابتداع اختراع وإحداث, بينما التجديد إعادة وإحياء, كما أن الابتداع إلصاق ما ليس من الدين به, أما التجديد فتنقية للدين من العناصر الدخيلة عليه, وإبقاء للأصيل فيه.
وغيرها من الأسباب.
ثم يحدثنا المؤلف عن شروط المجدد وصفاته, فيذكر له أربعة شروط ينبغي أن يتحلى بها وهي:
1.
أن يكون المجدد معروفًا بصفاء العقيدة, وسلامة المنهج.
2.
أن يكون عالما لا بل مجتهدًا.
3.
أن يشمل تجديده ميداني الفكر والسلوك في المجتمع.
4.
أن يعم نفعه أهل زمانه.
الفصل الثاني تناول فيه المؤلف بالدراسة حديث التجديد, وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)) فخرجه, وذكر رواياته, ثم قام بشرحه وذكر الفوائد المستنبطة منه, وما تناوله العلماء من مسائله, كمسألة هل يشترط لعد المجدد أن تقع وفاته على رأس المائة؟ وهل مجدد القرن واحد أم متعدد؟ والفائدة من عدِّ المجددين.
بعدها استعرض المؤلف مجموعة من الأحاديث المشابهة لحديث التجديد.
الفصل الثالث عدَّد فيه المؤلف مجموعة من المجددين في التاريخ الإسلامي, فاختار أربعة منهم, وهم: الخليفة عمر بن عبد العزيز, والإمام الشافعي, والإمام أحمد بن حنبل, والإمام ابن تيمية, فترجم لهم وذكر جانبًا من أدوارهم التجديدية.
الباب الثاني: هذا الباب خصصه المؤلف للحديث عن التجديد في العلوم الإسلامية, فذكر سبعة علوم من علوم الشريعة أفرد كل فنٍّ منها بفصل:
الفصل الأول: تناول التجديد في علم العقيدة, حيث ذكر المسيرة التاريخية لعلم العقيدة, معرجًا على بعض البدع العقدية التي ظهرت عبر التاريخ, كبدعة الخوارج, وبدعة التشيع, وبدعة القدرية, وبدعة الإرجاء, متحدثًا عن الأثر الذي خلفته فرق البدع والضلال القديمة في اعتقاد الفرق الكلامية, سواء في مصدر التلقي, أو مسألة القرآن والتوحيد.
ثم انتقل للحديث عن التجديد في علم العقيدة عبر التاريخ وفي وقتنا الحاضر, فذكر خطوات التجديد في علم العقيدة في الوقت الحاضر, والتي منها تخليص العقيدة من كل الإضافات البشرية التي ألصقت بها, والابتعاد عن التلقين الصوري كوسيلة للاقناع وتربية الإيمان, والتركيز على الجوانب الإيجابية في العقيدة والمؤثرة في السلوك.
أما الفصل الثاني فانتقل فيه المؤلف للحديث عن التجديد في علم أصول الفقه, فتكلم عن نشأته, ونشأة علم مقاصد الشريعة, ثم تحدث عن تجديد علم أصول الفقه في وقتنا المعاصر, مشيرًا إلى عدة مقترحات في ذلك والتي منها: تجريد علم أصول الفقه من المباحث الكلامية, والفرضية, والجدلية, وتدعيم القواعد الأصولية بالآيات, والأحاديث, والآثار, وإبراز علم مقاصد الشريعة.
الفصل الثالث: تحدث فيه عن التجديد في علم الفقه, فتناول نشأة الفقه التاريخية, وأبرز الانحرافات التي طرأت عليه عبر التاريخ, كالتقليد لأحد المذاهب الأربعة وإيجاب ذلك, والقول بإغلاق باب الاجتهاد, والتعصب المذهبي, وغيرها.
ثم ذكر تجديد علم الفقه الاسلامي في وقتنا الحاضر مشيرًا أنه يكون بعدة خطوات منها: إعادة فتح باب الاجتهاد, وتيسير شروط الاجتهاد وتجزؤه, والتجرد للحق, وعدم تتبع الرخص أو مسايرة واقع الناس, وإصلاح تعليم الفقه.
بينما كان الفصل الرابع للحديث عن التجديد في علوم السنة, فشرع في الحديث عن المسيرة التاريخية لحفظ السنة, ثم عدَّد خطوات تجديد علم السنة في الزمن الحاضر.
وفي الفصل الخامس والسادس كان الحديث عن التجديد في علم التفسير, والتزكية والسلوك, وخطوات تجديدهما في الوقت الحاضر.
ثم ختم هذا الباب بالفصل السابع: الذي تحدث فيه عن التجديد في علم السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي, وأبرز جوانب الخلل في كتابتهما, ومقومات التجديد فيهما.
الباب الثالث: في هذا الباب من أبواب الكتاب انتقل المؤلف للحديث عن علاقة التجديد ببعض مصادر الاستدلال, وذلك في ثمانية فصول:
الفصل الأول: كان للعلاقة بين التجديد وفهم السلف, واستعرض فيه الأدلة على لزوم متابعة السلف, والفائدة المرجوة في التزام فهمهم للنصوص.
الفصل الثاني: تحدث فيه عن العلاقة بين التجديد والعقل, فأوضح مكانة العقل ودوره مع النقل, والمسيرة التاريخية للانحراف في تقديمه على النقل, كما ردَّ على القائلين بتقديمه عليه.
الفصل الثالث: كان لعلاقة التجديد بالإجماع, فعرف الإجماع وذكر أنواعه, ودليل حجيته, والأحكام المترتبة عليه, وحكم منكره.
وفي الفصل الرابع: انتقل المؤلف للحديث عن علاقة التجديد بخبر الآحاد, معرفًا له, ومبينًا حجيته.
وعن تعليل الأحكام وعلاقتها بالتجديد يتكلم المؤلف في الفصل الخامس, حيث ذكر مذاهب الفقهاء بشأن تعليل الأحكام, وذكر الأمثلة على تعليل الصحابة للأحكام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته, ثم تحدث عن مصادر الاستدلال الناشئة عن تعليل الأحكام.
كما تحدث في الفصلين الأخيرين عن علاقة التجديد بكل من الضرورة, والعرف.
الباب الرابع انتقل المؤلف للحديث عن التجديد بمفهومه المنحرف, حيث اشتمل هذا الباب على ستة فصول أتت على مواضيع مهمة تتعلق بهذا النوع من التجديد:
في الفصل الأول: عدد المؤلف أبرز مدارس التجديد المنحرف وذكر منها مدرستين:
• المدرسة العقلية القديمة, وعنى بها المؤلف المعتزلة, فعرج على أهم أصولهم وهي: العدل, والتوحيد, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وتعظيم دور العقل, وجعله حاكمًا لا محكومًا, والقول بفسق طائفة من الطائفتين المتقاتلتين من الصحابة يوم الجمل لا بعينها, وخلودها في النار.
• أما المدرسة الثانية فهي المدرسة العقلية الإصلاحية الحديثة, فتناول أبرز معالمها, وجذورها الفكرية, كما عرض لمفهوم العلمانية وأهم أهدافها باعتبارها مؤثرًا في هذه المدرسة.
وفي الفصل الثاني: بين المؤلف المقصود من تجديد الدين عند دعاة التجديد المنحرف, وهو تطويره, وتعديله بالزيادة عليه, والحذف منه, وتهذيبه؛ ليتلاءم مع المفاهيم السائدة في العصر الحديث.
وأما عن تجديدهم في ميدان العقائد فقد تناوله في الفصل الثالث, حيث أوضح أن هذا التجديد يكون بنسف الدين كله عقيدة وعبادة وسلوكاً, أو تقديس العقل وتقديمه على النقل, أو إنكار الغيبيات أو تأويلها, أو تذويب الحواجز الفاصلة بين الإيمان والكفر, وذلك بالدعوة إلى وحدة الأديان, أو حوارها, وحوار الحضارات, أو تجميع الناس على أساس الوطن, أو الثروة, أو الحرية.
ومن طرق تجديدهم أيضًا في ميدان العقائد التساهل مع الفرق الضالة, والسعي للتوحد معها.
وفي الفصل الرابع: انتقل المؤلف للحديث عن تجديدهم في ميدان أصول الفقه, وبين أنَّ ذلك يكون بوضع شروط للعمل بالنصوص, كاشتراط التواتر في مسائل العقيدة, أو في الأحكام الدستورية, أو قبول السُّنة العملية دون القولية, أو محاصرة عموم النصوص, أو يكون كذلك بتقديم المصلحة على النص, أو بالاكتفاء بمقاصد النصوص وروحها دون أحكامها التفصيلية, أو تفسيرهم الإجماع بالاستفتاء الشعبي, والجرأة على مخالفته, أو التحلل من ضوابط القياس وشروطه.
في الفصل الخامس: تحدث المؤلف عن تجديدهم في ميدان السنة, حيث أوضح أن موقف هؤلاء من السنة يتلخص في
الطعن في المحدثين والفقهاء, واتهاماتهم بالوضع والكذب, ومعارضة السنة بالعقل, ومعارضتها بعموميات القرآن, وتقسيمها إلى تشريعية وغير تشريعية.
ثم انتقل المؤلف إلى الفصل السادس: للحديث عن تجديدهم في ميدان الفقه, موضحًا أن ذلك يكون بتقليلهم من شأن أهل العلم الأوائل, واتخاذ موقف سيء منهم, واتخاذهم منهجية معينة في الترجيح والاختيار مبنية على تتبع زلَّات العلماء, وشذوذاتهم, وتصيد سقطاتهم, وأخطائهم, وجعل ذلك دينًا, بل ودعوتهم إلى اعتماد أي قول في أي مذهب من المذاهب سواء كان سنيًّا أو غيره إذا وافق أهواءهم, وناسب مشاربهم.
كما تناول المؤلف انحرافاتهم في ميدان الحدود الشرعية, وفي ميدان نظام الحكم, وتبنيهم للديمقراطية والتي نتج عنها انحرافات جمَّة منها: تسويتهم بين المسلمين وغيرهم في الحقوق والواجبات, وإنكارهم قتل المرتد, ودعوتهم إلى الحرية الفكرية, وإبطالهم للجزية المفروضة على الذميين, وغيرها من الانحرافات.
ومما تناوله المؤلف كذلك انحرافاتهم في قضايا المرأة, كموقفهم من حجابها, واختلاطها بالرجال الأجانب, وولايتها, وغيرها من الانحرافات.
وتناول كذلك انحرافاتهم في مسائل الربا, وإباحة صناعة التماثيل والصور.
بهذا نكون قد أتينا على أهم ما في هذا الكتاب, والذي يتناول هذه القضية المهمة من قضايا العصر, نسأل الله أن يجزي المؤلف خير الجزاء, وينفع به الإسلام والمسلمين.