چکیده :
اختتم الجابري كتابه السابق لهذا: مدخل إلى القرآن الكريم بمقولة "أن ما يميّز الإسلام, رسولاً وكتاباً, هو خلوه من ثقل الأسرار التي تجعل المعرفة بالدين تقع خارج تناول العقل.
وعليّ أن أعترف الآن أن هناك سراً لم يستطع عقلي اكتناه حقيقته: أنه الذي عبرنا عنه بـ(العلاقة الحميمية) بين الرسول محمد بن عبدالله وبين القرآن الحكيم" كان يكتب الجابري هذه الجملة وهو لم يعزم بعد على كتابة مشروع التفسير, بل كانت الفكرة هي جزء ثاني يحكي موضوعات عن القرآن, ولعلّ ذلك السر دفعه إلى كتابة تفسير كامل للقرآن والذي يقول في بدايته "أننا نشعر بالتوفيق في (قراءة القرآن بالسيرة وقراءة السيرة بالقرآن) وذلك أن هذ النوع من القراءة المزدوجة قد مكنني من التعرف على حقيقة ذلك السر".
في هذه البداية كان الجابري يتكلم بحسّ روحاني عالي ذكرني بالظلال
في مستهلّ الكتاب يدور الكلام حول مهمة التفسير والحاجة لها فـ" إن فهم القرآن مهمة مطروحة في كل وقت ومطلوبة في كل زمان.
إن اقتناعنا بأن القرآن يخاطب أهل كل زمان ومكان يفرض علينا اكتساب فهم متجدد للقرآن بتجدد الأحوال في كل عصر.
وإذاً, فطرح السؤال بصيغة (كيف نفهم القرآن؟) لا ينطوي على أية مغامرة, لكن الإجابة عنه, على ضوء معطيات العصر الذي نعيش فيه, هي المغامرة الكبرى".
وبدءاً نرى هنا أن الجابري يحترم النص كوحدة متكاملة ولا يجزءه كغيره, وكأنه يقول أن ما يجب ليس هو أن نقرأ القرآن كما هو ولكن أن نأتي بالقرآن لوقعنا ونرى ماذا يريد أن يقول لنا في ظل هذا العصر, وتأكيداً على ذلك يضيف "القرآن ليس مجرّد كم من الصفحات ينتظمها غلاف المصحف, بل هو نص إجتاز مسار الكون والتكوين خلال مسيرة تجاوزت عشرين سنة, ما بين إبتداء الوحي حتى وفاة متلقّيه ومبلغه صلوات الله وسلامه عليه.
وإلى مثل هذا كان طموح ما كنا نفكّر في الكتابة على مستوى الفهم.
لقد كنا نطمح إلى أن نوضح كيف أن فهم القرآن ليس هو مجرد نظر في نص ملئت هوامشه وحواشيه بما لا يحصى من التفسيرات والتأويلات, بل هو أيضاً فصل هذا النص عن تلك الهوامش والحواشي, ليس من أجل الإلقاء بها في سلة المهملات, بل من أجل ربطها بزمانها ومكانها, كي يتأتى لنا الوصل بيننا, نحن في عصرنا, وبين النص نفسه كما هو في أصالته الدائمة".
وبالنهاية يشير إلى سبب الفجوة التي نواجهها أحياناً بين قراءة النص وإنزاله على الواقع "فقر الكتابة قد عمّق الهوة بين الناس وبين ممارسة عملية الفهم لنصوصهم الدينية, وذلك إلى درجة انتقلت معها قداسة النص الديني إلى ما كتب عليه.
وأمام غياب الفهم وانتشار الأمية صار المقدس لي هو النص مستقلاً عن المكتوب فيه, بل هو المكتوب فيه نفسه".
هذا القسم الأول من التفسير يتعامل مع جزء من القرآن المكي – حسب ترتيب النزول الذي يراه الجابري – يقسمه على ثلاث مراحل: النبوة والربوبية والألوهية, البعث والجزاء ومشاهد القيامة, إبطال الشرك وتسفيه عبادة الأصنام.
سأناقش فقط مسألة واحدة منهجية في الكتاب وهي ترتيب النزول, يعتمد الجابري في ترتيب النزول على المرويات وإن غابت اعتمد على نسق الآيات ومنطقها الداخلي, المسألة هنا أن أسباب النزول كما يقول مصطفى الحسن في كتابه "موجز في طبيعة النص القرآني" أنّ نسبة الآيات التي ذكرها الواحدي أقل من 13% وماذكره السيوطي هو أقل من 15%.
ولذلك في كثير من السور يكون الترتيب حسب مرويّة ذكرت في آية من داخل السورة, بمعنى أن هناك كثير من الإستنتاجات ستكون مجانبة للصواب إذا قيست على السورة بأكملها.
ولذلك حاول الجابري التقليل من نسبة الخطأ, بتوسيع مراحل الترتيب وتقسيمها للقرآن المكي بالكامل إلى ستة مراحل, وهي محاولة لخلق نسق للقرآن في عقليّة المسلم بمحاولة إنشاء منطق داخلي في ترتيب السور, وأتوقع أنه نجح في ذلك.