چکیده :
كتاب " التصوف العربي الاسلامي " للدكتور طيب تيزيني صدر مؤخرا عن الهيئة العامة السورية للكتاب ..
التصوّف هو- في أحد تعريفاته الأولية - نمط من المجاهدة والرؤية النفسية، التي قد يرافقها سلوك عملي جسدي، في حين يُراد منها أن تستجيب لحاجات ‹‹التصوّف›› الروحية والنفسيّة والمجتمعية العامة.
وهو بوصفه نتاجاً ذهنياً، نُظر إليه على أنه مادة متممة للفلسفة العربية.
لذلك سنعود إلى الوراء قليلاً، لتبيُّن ذلك في أوّلياته.
فالفلسفة العربية لم تنشأ - كما يقول مستشرقون - مستقلة استقلالاً أًوّلياً، بل هي ظهرت بوصفها حيثية يونانية.
وهنا تبرز فضيلة العودة إلى الماضي المتمثلة في وضع يدينا على خصوصية الفلسفة العربية.
وقد تبين لنا أن هذه الخصوصية ظهرت من موقع أنها نشأت على نحو مغاير لنشأة الفلسفة اليونانية، حيث إن نشأة هذه الأخيرة كانت في صلب الدين، بينما اليونانية قد اقتضت مواجهة الدين والأسطورة.
فخصوصية الفلسفة اليونانية كمنت في أنها قامت برفض الدين والأسطورة؛ أما خصوصية الفلسفة العربية فقد كمنت في أنها قد نتَجتْ داخل الدين، ثمّ عملت على تجاوزه.
يطرح الدكتور تيزيني في مقدمته السؤال التأسيسي التالي : كيف نشأ التصوف في قلب الفكر العربي ؟ وسؤال اخر : ماهي الشروط التاريخية والاجتماعية والسياسية الثقافية , التي حفزت على نشأة هذا التصوف , وكذلك الفلسفة , او الفقه , او العلم , او الفن , بوصف كون هذه الانساق انماطا من الوعي العربي .
ويرفض تيزيني البحث عن التصوف خارج تاريخيته , وخارج خصوصيته التكوينية البنيوية .
ويقول ان المحيط التاريخي الذي انطلق منه الاسلام في مقدمات القرن السابع الميلادي , لم يكن صفرا او خواء لا تاريخيا , بل مضمخا ومفعما بالثقافات المحلية القريبة والخارجية البعيدة , مما يضعنا امام المعطى الهام التالي على الصعيد المنهجي : ان مقاربة الموضوع عبر معطيات التحليل النقدي السوسيولوجيوالتاريخي يمكن ان تضع يدنا على تلك الثقافات ضمن سياق اكتشافها في نسيج الاسلام نفسه , اي في مكوناته السوسيو ثقافية والنفسية والاعتقادية .
ويؤكد تيزيني بان يعبر التصوف العربي الاسلامي عن نفسه بما جاء عليه بصيغة اصطلاحية محددة لهويته , اي بكونه تصوفا عربيا اسلاميا .وانه سيكون من قبيل القصور المعرفي والمنهجي وضع حاجز حاجب بين التصوف وبين انطلاقه في فضاء فضاء الفكر العربي الاسلامي الفسيح .
هاهنا ويصبح التصوف شأنا من شؤون المجتمع , قبل ان يكون شأنا من شؤون الاسلام الاعتقادي والمذهبي المحدود.
ويمكن القول بان التصوف العربي الاسلامي لم ينشأ ليسوغ ما قدمه رجال الفقهاء والمشرعين والمحدثين, وانما نشأ ليملأ فضاء لم يكن لهؤلاء ان يملئوه في الحضارة العربية الاسلامية , ذلك هو الفضاء الروحي الانساني المفعم بالشوق الى العدل والحرية والمساواة والتسامح والاخوة بين البشر , وذلك عبر جدلية الانساني إلهيا , والالهي انسانيا .وفي هذا اشترك شعوب كثيرة ضمن ذلك الفضاء , مما عزز البحث المشترك عن تلك القيم , وعمق النزوع الانساني ضمنها .
وقد اسهم ذلك كله في انتاج تراث اممي يمثل – حتى الان – رصيدا غنيا في تاريخ الشعوب الثقافي .
ان ذلك يوصل كما يرى المؤلف الى حقيقتين اثنتين , تتحدد الاولى في ان التصوف الاسلامي العربي وان شددنا على انتمائه الاسلامي العربي والعربي الاسلامي , فانه يظل كذلك حصيلة التصوفات الاسلامية ضمن الشعوب الاخرى , وإذ ذاك , يصح التحدث خصوصا عن التأثير الفارسي .
لكن ذلك لا يخرج عن كونه فارسيا , مثله في ذلك مثل تأثيرات اخرى كالهندي والمسيحي , وهذه هي الحقيقة الثانية .ويرى تيزيني ان ضبط ما ذكره يمكن ان يفصح عن نفسه بصيغة الاطروحة التالية : تتحدد مشروعية مصطلح " التصوف الاسلامي العربي " في ضوء الاخذ بعين الاعتبار ان هذا الأخير ( التصوف ) أتى بفعل وعبر الأنساق الدينية والثقافية والقومية والاثنية والقيمية وغيرها , التي تراكمت واندمجت فيما بين نسجها تحت خط ناظم لها تحدد أساسا في اطار المحور الجيوسياسي والثقافي الاسلامي العربي عموما .
وفي التصوف لغة – اصطلاحا ورمزا وتأويلا , يرى البعض في اللغة ان التصوف كلفظ تعبيرا عن " الرداء " الصوف ودلالته : الزهد .
ويرى الدكتور تيزيني ان الحركة الصوفية الاسلامية أتت – في المجال العربي السوسيو ثقافي – بمثابة دعوة الى الحرية في تلقف النص المقدس والى الحرية في فهمه وتصيره فعلا تنويريا مضادا للظلامية , التي كانت آخذة مداها في القرنين الرابع والخامس للهجرة .
اما المنهجية التي قادت الى ذلك , فقد انطلقت من النص الديني ذاته , مما منحها قدرة على الانتشار في العمق كما في السطح , في اوساط المهمشين المذلين المفقرين الباحثين عن الحرية والكرامة .
وسيبقى التأويل الصوفي مهمازا لأنسنة العالم .
وتتكشف عبرها الاسئلة الموجهة الى ثلاث مرجعيات ترى انها هي وحدها تملك حق تأويل النص الديني وغيره من النصوص , نعني السلطة الفقهية , والاخرى السياسية الايديولوجية , والثالثة الاستشراقية في عصرنا .
اما اخص خصيصة للتأويل الصوفي فتكمن في انه اسهم – بعمق – في انتاج نصوص على نص , فاتحا بذلك ابوابا لاتغلق امام ما يراد له ان يكون مهيمننا في عالم الفكر والثقافة .
اتى الكتاب في 279 صفحة من الحجم الوسط.